في تحول مفاجئ يُعدّ الأول من نوعه منذ أكثر من عقد، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال زيارته إلى العاصمة السعودية الرياض في 13 أيار/مايو 2025، رفع العقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا، مؤكدًا أن وزير خارجيته ماركو روبيو سيلتقي نظيره السوري أسعد الشيباني في تركيا. هذا القرار الاستثنائي جاء بعد سلسلة من التحركات السياسية والدبلوماسية السريعة، وترافق مع لقاء مباشر جمع الرئيس الأمريكي بنظيره السوري الجديد أحمد الشرع، بحضور ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ومشاركة افتراضية من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
دلالات القرار الأمريكي
يكتسب قرار رفع العقوبات أهمية استثنائية لعدة أسباب، أهمها أنه جاء بعد يومين فقط من قرار ترامب بتمديد حالة الطوارئ في سوريا، ما يعني من الناحية القانونية استمرار العقوبات السابقة المفروضة منذ عام 2004. غير أن الجديد في القرار يكمن في تحميله “السلطة السورية الجديدة” المسؤولية عن استمرار التهديدات، وليس نظام الأسد كما جرت العادة، ما يشير إلى اعتراف فعلي، وإن غير مباشر، بالتغيير السياسي الذي شهدته سوريا.
دوافع القرار الأمريكي: بين الاستراتيجية والاضطرار
لا يمكن فصل هذا القرار عن جملة من الدوافع الداخلية والخارجية التي تفاعلت في اللحظة السياسية الراهنة. فمحلياً، استطاعت الحكومة السورية الجديدة تحقيق خطوات ملموسة في عملية الانتقال السياسي، بدأت بمؤتمر الحوار الوطني، ثم الإعلان الدستوري، وتشكيل حكومة انتقالية، وهي اليوم بصدد إنشاء مجلس تشريعي جديد وصياغة دستور دائم استعداداً لانتخابات عامة. إضافة إلى ذلك، أظهرت السلطة الجديدة التزاماً بالحفاظ على مؤسسات الدولة ومنع الانزلاق إلى الفوضى أو الحرب الأهلية.
أما دولياً، فقد لعبت الحكومة دوراً نشطاً في إعادة بناء الثقة، عبر التعاون مع منظمات دولية، مثل منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، ولجان التحقيق الخاصة بحقوق الإنسان، كما التزمت بوقف إنتاج المخدرات ومحاربة الإرهاب، والتعامل المسؤول مع ملف المقاتلين الأجانب ومراكز احتجاز عناصر داعش.
ولا تقل دلالة عن ذلك تلك الخطوة الجريئة بقطع العلاقات مع إيران، وإخراج ميليشياتها من الأراضي السورية، وعلى رأسها حزب الله، وهو ما مثّل نقطة تحول محورية في حسابات واشنطن، لا سيما في ظل التوترات الإقليمية المتصاعدة.
ضغوط إقليمية وتحركات صينية مقلقة
ما ساعد في تسريع القرار الأمريكي هو الضغط الإقليمي، وخاصة من دول مثل السعودية وتركيا، التي تسعى إلى تحقيق استقرار دائم في سوريا يضمن أمنها القومي ويحد من التدخلات الإيرانية. كما أن تكرار زيارات الوفود الصينية إلى دمشق، سواء على المستوى الدبلوماسي أو الاقتصادي، وجّه إنذارًا لواشنطن بأن التأخير في الانفتاح على الحكومة السورية الجديدة قد يفتح الباب أمام توسّع النفوذ الصيني في منطقة استراتيجية تُعدّ حيوية في إطار الحرب الباردة الاقتصادية بين القوتين.
آثار القرار: بين التفاؤل الحذر والرهانات الكبيرة
قرار رفع العقوبات لم يكن مجرد بادرة حسن نية، بل خطوة سياسية جريئة تفتح الباب أمام مرحلة جديدة من العلاقات السورية الأمريكية، وربما بداية مسار تطبيع شامل، تُتوَّج باعتراف رسمي بالحكومة السورية الجديدة. وقد بدأت تداعيات القرار بالظهور، مع تحرّك جامعة الدول العربية لإعادة سوريا إلى مقعدها، واعتراف العديد من الدول الغربية بالحكومة الجديدة، وتعليق الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة لعقوبات كانت مفروضة منذ سنوات.
كما أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية عن سلسلة من الإعفاءات تهدف إلى ضمان استمرار تقديم الخدمات الأساسية للسوريين، وهو ما يُعدّ إقراراً عملياً بشرعية الحكومة الجديدة.
خاتمة: هل نحن أمام بداية النهاية لأزمة سوريا؟
القرار الأمريكي برفع العقوبات لا يمكن قراءته إلا بوصفه نقطة تحوّل محورية في المشهد السوري، وهو نتيجة تراكمية لتحركات داخلية شجاعة وإصلاحات سياسية، وضغوط إقليمية ودولية مدروسة، وخشية أمريكية من التمدد الصيني والإيراني. ومع أن الطريق نحو السلام الشامل لا يزال طويلاً، فإن هذا الانفتاح الأمريكي الاستثنائي يمثل أولى خطوات الألف ميل نحو إعادة بناء سوريا دولةً مستقلةً، مستقرةً، وفاعلة في محيطها الإقليمي والدولي.
لكن النجاح في هذا المسار مرهون بمدى قدرة الحكومة السورية على الحفاظ على الزخم، والمضي قدماً في الإصلاحات، وضمان مشاركة جميع مكونات المجتمع السوري في بناء المستقبل، بعيداً عن الإقصاء والهيمنة والتبعية لأي طرف خارجي.