في تطور يثير القلق البالغ، حذّرت لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا من أن تصاعد أعمال العنف الداخلية والتدخلات العسكرية الإسرائيلية الأخيرة يشكلان تهديداً مباشراً للسلام المستدام في البلاد، في وقت تتفاقم فيه الأوضاع الأمنية والإنسانية في عدة مناطق سورية، ولا سيما في ريف دمشق ومحافظة السويداء.
أشارت اللجنة في بيان رسمي إلى أن الاشتباكات الأخيرة ذات الطابع الطائفي التي اندلعت في جرمانا وصحنايا، وامتدت لاحقاً إلى مناطق في السويداء، تعكس هشاشة التماسك الاجتماعي السوري. وقد أدت هذه الاشتباكات إلى مقتل عشرات الأشخاص، بينهم عناصر أمن ومدنيون، على خلفية تسجيل صوتي منسوب لأحد رجال الدين، أثار موجة غضب واسعة، رغم نفيه أي علاقة به.
أوضحت اللجنة أن خطاب الكراهية والتحريض الطائفي، المنتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يمثل عاملاً أساسياً في إذكاء العنف ويهدد بإعادة إشعال صراعات طائفية قديمة، في وقت تسعى فيه سوريا جاهدة لتجاوز أكثر من عقد من الحرب والانقسامات.
الغارات الإسرائيلية: تعميق للاشتعال وزعزعة للاستقرار
تأتي هذه التوترات الداخلية في ظل تصعيد خطير على الجبهة الخارجية، إذ شنت الطائرات الإسرائيلية سلسلة غارات عنيفة استهدفت مواقع في ريف دمشق ودرعا وحماة. وسبق ذلك قصف قرب القصر الرئاسي في العاصمة دمشق، قالت عنه إسرائيل إنه يحمل “رسالة واضحة” للحكومة السورية، مشيرة إلى أنها “لن تتهاون مع أي تهديد يتعلق بالدروز”، في محاولة مثيرة للجدل لتأطير تدخلها ضمن خطاب طائفي.
ورأت لجنة التحقيق الأممية أن هذه الغارات لا تؤدي فقط إلى تدمير البنى التحتية وسقوط ضحايا مدنيين، بل تسهم بشكل مباشر في تعميق الانقسام داخل المجتمع السوري، وتمنح غطاءً لتصعيدات داخلية مقلقة، وهو ما يعكس خطر التدخلات الخارجية التي لطالما لعبت دوراً سلبياً في المسار السوري، وفقاً لتوصيف البيان.
في ظل هذه التطورات، دعت لجنة التحقيق الدولية جميع الأطراف إلى وقف الأعمال العدائية فوراً، مع التأكيد على ضرورة حماية المدنيين وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية ومنع موجات النزوح الجديدة. وذكّرت اللجنة بأن الحكومة المؤقتة في دمشق تبقى مسؤولة قانونياً وأخلاقياً عن حماية المدنيين ضمن المناطق الخاضعة لسيطرتها، وضمان التهدئة وعدم الانزلاق نحو مزيد من العنف.
وأشارت إلى أن التوصل إلى اتفاق بين بعض وجهاء السويداء والسلطات في دمشق يشكل خطوة إيجابية، إلا أنه لا يُغني عن ضرورة إيجاد حلول جذرية للمظالم المتراكمة، وبناء بيئة قانونية تكفل العدالة والمساءلة، وتحدّ من ظاهرة الإفلات من العقاب، التي اعتبرتها اللجنة أحد المحركات الرئيسية للصراع السوري المستمر.
تُصر لجنة التحقيق الدولية على أن تحقيق العدالة ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات هو السبيل الوحيد لبناء الثقة بين المكونات السورية المتنازعة. وطالبت اللجنة الحكومة السورية بإجراء تحقيقات مستقلة ونزيهة في كافة الانتهاكات، بما يتوافق مع القوانين الدولية والمعايير الحقوقية، من أجل تقديم الجناة إلى العدالة وتعويض الضحايا وعائلاتهم.
في السياق ذاته، عبّرت عدة دول عربية عن قلقها البالغ من التصعيد الحاصل في سوريا، لا سيما بعد تصاعد الاشتباكات الطائفية والغارات الإسرائيلية الأخيرة. وأدانت جامعة الدول العربية في بيان مقتضب “استهداف المدنيين ومقدّرات الدولة السورية”، مؤكدة على ضرورة احترام سيادة سوريا ووحدة أراضيها، ورفض التدخلات الخارجية التي تؤجج الصراع. من جهتها، حذّرت أطراف إقليمية مثل الأردن ولبنان من أن استمرار التوترات الأمنية قد يؤدي إلى موجات جديدة من النزوح نحو دول الجوار، ما يشكل ضغطًا إضافيًا على الموارد والبُنى التحتية. كما دعت بعض الدول الخليجية إلى ضبط النفس والعودة إلى الحوار، معتبرة أن استقرار سوريا هو ركيزة أساسية لأمن المنطقة ككل.
ختام
لا شك أن المشهد السوري يزداد تعقيداً مع كل تصعيد أمني أو تدخل خارجي، ويؤكد ما يحصل اليوم أن أي خطوة نحو الحل السياسي في سوريا لا يمكن أن تنجح دون معالجة الأسباب الجذرية للعنف، وإيقاف التدخلات الخارجية، وتكريس مبادئ العدالة والكرامة الإنسانية.