شهدت سوريا في 28 آب/ أغسطس 2024، اجتماعاً بارزاً للقيادة المركزية لحزب البعث، ترأسه رئيس العصابة الحاكمة بشار الأسد، وهو الاجتماع الثاني الذي يُعلن عنه بعد انتخاب القيادة المركزية الجديدة في نيسان/ أبريل، وتزامن مع تغييرات هامة شهدتها الساحة السورية، بما في ذلك انتخابات مجلس الشعب في تموز/ يوليو وخطاب بشار أمام المجلس في 25 آب/ أغسطس، الذي حضره أعضاء القيادة الجديدة. هذا التسلسل من الأحداث يوحي بوضوح أن الأسد يسعى لإعادة تفعيل دور حزب البعث وتصديره كقوة سياسية فاعلة للداخل والخارج.
لطالما كان النظام السوري يتجنب عرض اجتماعاته الداخلية مع قيادات الحزب علناً، إلا في حال رغبته في إرسال رسائل معينة لجمهوره، وهذا الاجتماع العلني يُظهر رغبة واضحة من بشار الأسد في تنظيم وإعادة هيكلة الحزب استعداداً للاستحقاقات السياسية المقبلة. وقد أقر الاجتماع عدداً من القرارات التي تبدو في ظاهرها كإعادة حوكمة للمنظومة الحزبية، لكنها في الواقع تهدف إلى تحضير المسرح السياسي لتعديلات دستورية قد تُمكّن الأسد من تمديد حكمه بعد رفع بعض العقوبات الدولية عنه.
من بين هذه القرارات، وُضِع نظام داخلي للجنة المركزية يتضمن تحديد مهامها وعلاقتها بالقيادة المركزية، بالإضافة إلى دور كتلة الحزب في مجلس الشعب بتعديل النظام الداخلي للمجلس. كما أُقر وضع نظام مالي جديد للحزب يهدف إلى ضبط موارده المالية والسيطرة عليها. هذه الخطوات تبدو أنها تصب في مصلحة إعادة تنظيم الحزب ليعود للواجهة السياسية كواجهة للنظام.
يعمل الأسد على تقديم نفسه كقائد يمتلك رؤية جديدة للشأن السياسي والحزبي في سوريا، ويبدو أنه يريد منح دفعة قوية للقيادة الجديدة التي تعمل على إحياء دور حزب البعث. لذلك، شهد الاجتماع إقرار نظام داخلي جديد للجنة المركزية التي تضم 94 عضواً تم انتخابهم في انتخابات الحزب، وهذا يعكس رغبة في إعطاء الحزب أدوار رسمية وواضحة.
كذلك، تأتي توجيهات الأسد لكتلة الحزب في مجلس الشعب بتعديل النظام الداخلي للمجلس بهدف تحسين أدائه، وكأن التحديات السياسية في سوريا تقتصر على النصوص القانونية وليس على طريقة إدارة الحكم والأجهزة الأمنية.
من جهة أخرى، يبدو أن الأسد يسعى من خلال إقرار نظام مالي جديد للحزب إلى السيطرة على موارده الكبيرة وإظهار حجم هذه السيطرة، خاصة بعد الفضائح المالية التي طالت القيادة السابقة للحزب. وهذا يظهر بوضوح في البيان الذي صدر عن القيادة الجديدة في 2 آب/ أغسطس، وهو أول اعتراف علني من الأسد بوجود فساد مالي داخل الحزب.
تزامن هذا الاجتماع مع خطوات سياسية جديدة اتخذها النظام على المستوى الدولي. فقد طلب الأسد من السفراء ورؤساء البعثات الدبلوماسية الترويج لفكرة أن النظام استعاد توازنه الداخلي، وأطلق مشروعات لتحديث بنيته الإدارية، ويراهن الأسد على أن هذه التحركات ستُسهم في جذب الاستثمارات والمساعدات لإعادة إعمار البلاد.
من الواضح أن الأسد يريد الاستفادة من التطورات الخارجية التي يشهدها، بما في ذلك عودة النظام إلى الجامعة العربية، والتطبيع مع بعض الدول العربية، واحتمالات التقارب مع تركيا، وأمله في تعديل موقف الاتحاد الأوروبي تجاهه. ويبدو أن هذه التحركات تهدف إلى إعادة تقديم حزب البعث كجزء من الإصلاحات السياسية التي يريد النظام تصديرها للعالم.
التعديلات الدستورية كمدخل للبقاء في الحكم
واحدة من أبرز الخطوات التي قد يسعى الأسد إلى تحقيقها من خلال إعادة تفعيل حزب البعث هي التعديلات الدستورية. قد يسعى الأسد إلى تعديل دستور 2012 بهدف تمديد فترة ولايته بعد انتهاء ولايته الحالية في 2028، إذ أن الدستور الحالي لا يسمح له بالترشح لأكثر من ولايتين رئاسيتين. وفي حال تعثر مسار اللجنة الدستورية المدعومة من الأمم المتحدة وفق القرار 2254، قد يلجأ الأسد إلى تقديم تعديلات دستورية منفردة تُظهر استجابته للمطالبات الدولية بإصلاحات سياسية داخلية.
يبدو أن الأسد يستخدم “حزب البعث” كأداة رئيسية لإعادة ترتيب المشهد السياسي في سوريا، وإظهار قدرته على إعادة البلاد إلى ما كانت عليه قبل 2011. هذه التحركات تعكس رغبة الأسد في التخلص من القيود التي فرضها دستور 2012، والذي جاء كرد فعل على الحراك الشعبي في ذلك الوقت.