شهد قصر الشعب في العاصمة دمشق لحظة فارقة في تاريخ قطاع الطاقة السوري، مع توقيع مذكرة تفاهم ضخمة بين وزارة الطاقة السورية وتحالف دولي تقوده شركة “أوروباكون القابضة” (UCC) القطرية، بحضور رسمي رفيع المستوى تقدمه الرئيس السوري أحمد الشرع، وعدد من السفراء والمسؤولين الدوليين، في خطوة غير مسبوقة تهدف إلى إعادة بناء البنية التحتية الطاقية في البلاد واستعادة عافيتها الاقتصادية.
تبلغ القيمة الإجمالية لمذكرة التفاهم 7 مليارات دولار، لتكون بذلك الأضخم في تاريخ سوريا على صعيد الطاقة. وتشمل الاتفاقية تنفيذ مشاريع استراتيجية لتوليد الكهرباء بقدرة إجمالية تصل إلى 5000 ميغاواط، ما من شأنه أن يُحدث تحولاً جذرياً في مشهد الطاقة السوري خلال السنوات القليلة المقبلة.
حضر مراسم التوقيع عدد من الشخصيات الدولية البارزة، من بينهم المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا توم باراك، والسفير القطري خليفة المحمود، والسفير التركي برهان كور أوغلو، إلى جانب رؤساء ومدراء الشركات المتحالفة، مثل رامز الخياط رئيس “أوروباكون”، ومحمد جنكيز عن شركة “جنكيز للطاقة”، وأورهان كاليون عن “كاليون للطاقة”، بالإضافة إلى وفود من شركات أميركية وأوروبية متخصصة.

وزير الطاقة السوري محمد البشير وصف التوقيع بـ”اللحظة التاريخية”، مؤكداً أن الاتفاق يُمثّل نقطة تحول حقيقية في مسار الاقتصاد السوري. وأوضح أن المشروع سيشمل تطوير أربع محطات توليد كهرباء بتقنيات الدورة المركبة (CCGT) باستخدام توربينات غازية في كل من تريفاوي (حمص)، زيزون ومحردة (ريف حماة)، ودير الزور، بقدرة تصل إلى 4000 ميغاواط.
إلى جانب ذلك، سيتم إنشاء محطة للطاقة الشمسية في وديان الربيع جنوب سوريا بقدرة 1000 ميغاواط، لتُشكّل أول مشروع طاقة متجددة بهذا الحجم في البلاد. ومن المتوقع أن تكتمل هذه المشاريع خلال ثلاث سنوات لمحطات الغاز، وسنتين لمحطة الطاقة الشمسية، وفق جدول زمني طموح.
انعكاسات اقتصادية واجتماعية واسعة
بحسب الوزير البشير، فإن الاتفاقية ستُساهم في تحسين الواقع الكهربائي والمعيشي، وستمهد لتأمين أكثر من 50% من احتياجات سوريا من الكهرباء. كما ستوفر الاتفاقية الآلاف من فرص العمل المباشرة وغير المباشرة، وتُعزز من كفاءة الخدمات العامة، ما ينعكس إيجاباً على الحياة اليومية للمواطنين.
وأكد الوزير أن هذه الخطوة ستساعد سوريا على تحقيق اكتفاء ذاتي في قطاع الطاقة، وتفتح الباب أمام تصدير الكهرباء لدول الجوار، مما يدعم التكامل الإقليمي ويُعزز المسار نحو الطاقة النظيفة والمستدامة.
رسائل سياسية ودبلوماسية من قلب دمشق
أبرزت المراسم أيضاً تحولاً لافتاً في المناخ السياسي والدولي تجاه سوريا، حيث أكد المبعوث الأميركي توم باراك دعم واشنطن للحكومة السورية الجديدة، مشيداً بقرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب برفع العقوبات عن سوريا. وقال باراك: “هذه لحظات لا تتكرر.. وسوريا ستكون محور تغيير عالمي إذا استمرت بهذا الأداء”.
واعتبر باراك أن رفع العقوبات “يفتح آفاقاً استثمارية غير مسبوقة”، كما أكد التزام الولايات المتحدة بـ”دعم استقرار سوريا وتحقيق نهضتها”.
من جهته، اعتبر رامز الخياط، الرئيس التنفيذي لشركة أورباكون، أن مذكرة التفاهم تمثّل بداية مرحلة جديدة من إعادة الإعمار، قائلاً: “سوريا ستكون خلال ثلاث سنوات مكتفية كهربائياً بالكامل، وبعدها تبدأ بتصدير الطاقة إلى الخارج”.
وأوضح الخياط أن المشروع سيوفر أكثر من 50 ألف فرصة عمل مباشرة و250 ألف غير مباشرة، وسيعتمد على أحدث التقنيات الأميركية والأوروبية لضمان كفاءة الإنتاج واستدامته.
كشف وزير الطاقة أن الاتفاقية تشمل أيضاً خططاً لتأمين الغاز من كل من تركيا والأردن، مما يُسهم في زيادة الإنتاج الكهربائي وتخفيف أعباء التقنين على المواطنين، مشدداً على أهمية هذه الإمدادات في ضمان استمرارية تشغيل المحطات الجديدة.
كما أشار إلى أن رفع العقوبات يفتح الأبواب أمام تنفيذ مشاريع إضافية لإعادة إعمار الاقتصاد السوري وتنميته، منوهاً إلى أن مشاريع الطاقة ستكون قاطرة لإعادة الإعمار في قطاعات عدة.
خاتمة: بداية عهد جديد للطاقة في سوريا
تمثل مذكرة التفاهم الجديدة بين الحكومة السورية والتحالف الدولي بقيادة شركة UCC لحظة فارقة في تاريخ سوريا الاقتصادي. فهي لا تؤسس فقط لمشاريع طاقة ضخمة قد تضع البلاد على طريق الاكتفاء الذاتي والتصدير، بل تعكس أيضاً تحولات دبلوماسية واستراتيجية عميقة قد تعيد تموضع سوريا في الخريطة الإقليمية والدولية.