لا تنطبق سياسة صفر مشاكل بين تركيا والأسد ،كما هو الحال مع بقية الدول العربية سلسة وبسيطة الحلول ، لأنّ القضايا الخلافية بين البلدين ليست سياسية بل هي ذات عمق كبير وبعيد ، والملف السوري هو العُقدة التي تقف عائقاً في طريق المصالحة لأنه ملف دولي بامتياز ،ويُكرّر الأتراك في كلّ تصريحاتهم ذكر القرار الدولي 2254 بمعنى أنّ الأسد هو طرف سوري وليس سوريا لوحده.
يحاول نظام أسد بين الفينة و الأخرى أن يضع لنفسه موطئا بين الدول لآنه وصل منذ عقد من الزمن إلى قناعة مفادها بانه فقد كل مقومات الدولة ،فهل تنفع هرطقتاه الصبيانية المتعالية والمتكابرة عن المصالحة مع الدولة التركية ، التي لا يمتلك منها ذرة من القرار الذي تصادره الحكومة الإيرانية ، أو محاولاته البائسة باستلام زمام المبادرة بملف إعادة اللاجئين من أجل إعادة الاعمار.
في الواقع نظام اسد بين السدان والمطرقة لم يعرف هل سيرضي طهران في ابعاده عن انقرة ام سيرضي الروس الذين يضغطون عليه ليكون ورقة مساومة روسية مع الاتراك ، فهو يحاول بين البينين أن يتظاهر بانه هو صاحب قرار عدم التقارب مع الاتراك لأنها كما يدعي الأسد والمقداد بأنها تحتل ارضه كونه نظام ممانع صاحب سيادة ، علماٍ بانه اصبح شرطي مرور للطيران المستبيح لأجوائه.
تحاول أجهزة نظام بشار الأسد الاستخباراتية والإعلامية ان تروج بأنها أملت بشروطها على الجانب التركي من خلال طلباتها ، وأقوالها وافعالها المتمثلة بالخروج من القاعة أثناء كلمة وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، لكن الرئاسة التركية ومن منطلق القوة والموقع والثقل الإقليمي ليست مندفعة الى هذا الحد الكبير لتطبيع العلاقات مع نظام اسد الفاشل سياسياً ودبلوماسياً واقتصادياً وعسكريا وأخلاقياً لذا فقد أصدرت الرئاسة التركية نفياً قاطعاً عن وجود أي اتفاق مسبق حول موعد أو مكان لعقد لقاء بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان و بشار الأسد، مؤكدةً أن التصريحات الصادرة عن وسائل إعلام الأسد بما يتعلق بهذا اللقاء لا أساس لها من الصحة. وقد أشار مصدر مسؤول في الرئاسة التركية لوكالة الإعلام الروسية “نوفوستي” إلى أن هناك العديد من الروايات المختلفة التي تتداولها وسائل الإعلام، موضحاً أنه لم يتم التوصل إلى اتفاق حتى الآن بخصوص أي اجتماع بين الطرفين. وأكد المصدر أن أي إعلان عن هذا اللقاء سيبقى مجهولاً إلى ان يتم ذلك في الوقت المناسب.
قد يكون منطقياً إسقاط الحالة السورية على الحالة التركية القبرصية وليس الخلافات التركية مع الدول الأخرى حيث تتشابك عقد الامن القومي والاستراتيجيا مع الابعاد التاريخية والجغرافية والديمغرافية .
في تصريح سابق لــــ عمر جليك المتحدث باسم “حزب العدالة والتنمية” التركي، لصحيفة “خبر ترك”، أوضح وجود خطة ثلاثية المراحل بخصوص التعامل مع الملف السوري. فما هذه المراحل :
- المرحلة الأولى: تشمل متابعة الاستخبارات للملفات الأمنية.
- المرحلة الثانية: اجتماعات بين وزراء الخارجية والدفاع.
- المرحلة الثالثة: في حال حدوث تقدم في العلاقات بين تركيا والنظام السوري سيكون تنفيذ ذلك تدريجياً وتحت إشراف الجهات الأمنية والدبلوماسية.
أردوغان ودعوة الأسد
في تصريحات متتالية وفي مناسبات متعددة لا يبرح فيها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان القول بأنه من الممكن أن يوجه دعوة لبشار الأسد لزيارة تركيا، بالتنسيق مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وقال أردوغان إنه إذا تمكن بوتين من زيارة تركيا، قد يكون هذا اللقاء بداية لعملية جديدة تهدف إلى تحسين العلاقات بين الجانبين. وأضاف أردوغان خلال مؤتمر صحفي عقده على هامش قمة حلف شمال الأطلسي في واشنطن، أنه جدد دعوته للأسد من أجل عقد اجتماع في تركيا أو في دولة ثالثة، وهذا يعكس عزمه على المضي قدماً في تطبيع العلاقات مع النظام السوري، فما هو الدافع نحو التطبيع والذي تأمله تركيا من خلال سعيها الأشهر الأخيرة إلى تسريع عملية التطبيع مع نظام الأسد، فلاشك بأن هناك عدة أسباب استراتيجية. من أبرزها إيجاد حلول مشتركة لوجود “حزب العمال الكردستاني” (PKK) في شمال شرق سوريا، وهو التنظيم الذي تعتبره تركيا تهديداً لأمنها القومي الى جانب هدف تركيا إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، وهي خطوة تسعى من خلالها إلى تخفيف الضغوط الداخلية وتحقيق استقرار في الحزام الحدودي مع سوريا.
المستقبل وتحدياته
لقد جاء تأكيد المسؤول التركي “جليك” أنه بالرغم من الخطوات المعلنة وجود تحديات تجعل من الصعب التنبؤ بجدول زمني لعقد لقاء بين أردوغان والأسد. وذلك بان تطبيع العلاقات بين البلدين يواجه تحديات متعددة، أبرزها القضايا الأمنية والسياسية المعقدة في المنطقة، الأمر الذي يتطلب جهوداً دبلوماسية مكثفة بين الطرفين، مع وجود طرف ثالث كما يسمونه باللغة الشعبية العالمية الشريك المضارب ألا وهو إيران التي تدخل على الخط السوري التركي بقوة استنادا لأهدافها الجيوبيولتيكية البراغماتية من جميع الاتجاهات ، ولان الأتراك والايرانيين خَطّان متوازيان لا يلتقيان خاصة في الاراضي السورية الذي تعتبره إيران ميدانها وملعبها ،لأنّ الدولتان متوسطتا القوة في الإقليم لا تتحالفان ولا تتحاربان بل ما يَحكُم علاقتهما الصراع والتنافس الدائم.
ختـــــــــــــــــاماً
تشير الاحداث الجارية إقليمياً ودولياً الى تصاعد حدة الصراع في منطقة الشرق الأوسط , مما حدا بتركيا الاستدارة باتجاه الروس لتخفيف الخسائر وإنقاذ ما يمكن إنقاذه وبدأت الأحلام التركية تتواضع في الملف السوري من إسقاط نظام الأسد إلى الحفاظ على أمن الحدود الجنوبية
مما يجعل حل الخلافات التركية السورية مرهونة بتطور الأحداث, وينعكس على تعثر مسار التطبيع بين أنقرة ودمشق ويتطلب تحقيقه زمن طويلاً، لكنه يحمل في طياته إمكانيات كبيرة للتعاون المشترك في حال نجاحه في تجاوز العقبات السياسية والأمنية.