مقدمة:
منذ انطلاق الثورة السورية عام 2011، ظهرت إسرائيل كمراقب “حذر” للأحداث، تضع أولويات أمنها القومي فوق أي اعتبار إنساني أو أخلاقي. وبينما اشتعلت البلاد، اتسم موقف إسرائيل تجاه الأقليات، وتحديداً الدروز السوريين، بالانتقائية والبراغماتية، متلاعبة بخطاب “الحماية” كلما اقتضت مصالحها الأمنية والسياسية.
أولاً: صمت استراتيجي خلال الثورة السورية (2011–2024)
رغم ما ادّعته وسائل الإعلام الإسرائيلية في فترات لاحقة من “تعاطف” مع دروز سوريا، فإن الواقع يكشف عكس ذلك تماماً. على مدار أكثر من عقد، لم تُبدِ إسرائيل أي موقف داعم للدروز أو غيرهم من السوريين في وجه النظام الاستبدادي أو التنظيمات المتطرفة. بل إن سياسة إسرائيل منذ بداية الثورة كانت مبنية على منع سقوط النظام السوري بالكامل، خشية تحوّل الجنوب السوري إلى منطقة غير منضبطة تسيطر عليها فصائل مسلحة قد تهدد حدودها الشمالية.
فمن ناحية، كانت إسرائيل تسعى لإضعاف النظام وإبقاءه في حالة من النزيف الداخلي، ومن ناحية أخرى، كانت تخشى انهياره التام الذي قد ينتج عنه فراغ أمني.
ثانياً: الغارات الجوية دون تمييز – السويداء والقنيطرة نموذجاً
خلافاً لما قد يُتصوّر من وجود “حساسية” إسرائيلية تجاه مناطق الدروز في الجنوب السوري، فإن الوقائع العسكرية تؤكد غياب أي تمييز في الاستهداف. فقد قصفت إسرائيل مواقع في السويداء والقنيطرة مراراً، بحجة استهداف منشآت إيرانية أو تحركات لحزب الله، دون الاكتراث لطبيعة السكان المحليين أو الأضرار الجانبية.
هذا السلوك يُسقط الخطاب الإسرائيلي الذي يروّج لحماية الأقليات، ويؤكد أن الدروز السوريين لا يُمثّلون لإسرائيل سوى هامشٍ أمني في مسرح أوسع من الصراع.
ثالثًا: دروز الجولان المحتل… مقاومة الأسرلة
تحاول إسرائيل منذ احتلال الجولان عام 1967 فرض سياسة “الأسرلة” على سكانه من الدروز، عبر التجنيس الإجباري، وإقحامهم في مؤسسات الدولة، وعلى رأسها الخدمة العسكرية. إلا أن غالبية دروز الجولان رفضوا هذه السياسات بعنادٍ تاريخي، وواجهوا مشاريع الاحتلال بالاحتجاج المدني، والإضرابات، وحرق بطاقات الهوية الإسرائيلية، في دلالة قوية على تمسّكهم بهويتهم السورية.
هذا الرفض الجماعي يفنّد الرواية الإسرائيلية التي تزعم “رعاية” الدروز، ويُظهر كيف يُعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية، يُستغلّون سياسيًا حين تنفع الحاجة، ويُهمّشون حين تنتهي فائدتهم.
رابعًا: الاهتمام المفاجئ بالسويداء… حسابات أمنية لا إنسانية
في السنوات الأخيرة، ومع تصاعد الاحتجاجات في محافظة السويداء، وتحرك بعض الفصائل المحلية لمواجهة النفوذ الأمني والعسكري للنظام السوري، بدأت وسائل الإعلام الإسرائيلية فجأة تُسلّط الضوء على الحراك الدرزي.
إلا أن هذا “الاهتمام الإعلامي” لم يكن وليد تعاطف إنساني، بل جاء عندما بدا أن الفوضى قد تُنتج واقعاً جديداً في الجنوب السوري، يُمكن لإسرائيل استغلاله لتحقيق أهدافها القديمة:
تقويض نفوذ النظام في الجنوب.
إضعاف إيران وحزب الله في المناطق الحدودية.
خلق كانتونات طائفية تُمهّد لتقسيم سوريا وفق رؤى تخدم أمن الاحتلال على المدى الطويل.
بمعنى آخر، إسرائيل تنظر إلى الدروز لا كأقلية مُضطهدة تستحق الدعم، بل كأداة جغرافية في لعبة النفوذ الإقليمي.
خامسًا: الأقليات في عقل إسرائيل – “استخدم ثم تجاهل”
تُظهر التجربة الإسرائيلية مع الأقليات أنها تتّبع سياسة انتهازية تقوم على مبدأ: “استخدم ثم تجاهل”. سواء في لبنان (علاقتها التاريخية بميليشيا لحد)، أو في العراق (دعم كردي ظرفي)، أو في سوريا، فإن إسرائيل تسعى لتوظيف الأقليات كأوراق ضغط، أو أدوات لتفتيت الخصوم، دون أن تلتزم بأي دعم طويل الأمد أو حماية حقيقية.
وفي حالة الدروز السوريين، فإن السلوك الإسرائيلي يشي بأنها:
لا تؤمن بوحدة سوريا.
لا ترى في الدروز شركاء استراتيجيين، بل عوامل اضطراب داخلي يمكن توجيهها عند الحاجة.
تخشى أي وعي سياسي حقيقي داخل الطائفة يقود إلى مشروع وطني جامع يرفض الاحتلال والديكتاتورية معًا.
خاتمة: الحذر من الخطاب المزيّف
في ظل تصاعد الحراك في السويداء، ينبغي الحذر من الخطاب المزيّف الذي تُروّج له إسرائيل وبعض أبواق الإعلام الغربي والعربي، والذي يختزل معاناة الدروز في طابع طائفي أو انفصالي، ويُقدّمهم كـ”أقلية بحاجة إلى الحماية الخارجية”.
الواقع أن الدروز السوريين، كما أثبتت أحداث السنوات الأخيرة، هم جزء أصيل من نسيج سوريا الوطنية، وهم في طليعة من رفضوا السلاح والطائفية، وتمسكوا بمبدأ الدولة المدنية، ورفضوا الاحتلال الإسرائيلي ومشاريع التفتيت.
إن فهم دور إسرائيل في هذا الملف لا يمكن أن ينفصل عن فهم مشروعها الأوسع: تفكيك سوريا، وإبقاء محيطها في حالة فوضى مدروسة تخدم أمنها الإقليمي لعقود قادمة.
التوصيات: ضرورة الوعي بالمخططات الإسرائيلية
في ظل هذه السياسات، من الضروري أن تكون الطائفة الدرزية في سوريا على وعي تام بالمخططات الإسرائيلية التي تهدف إلى استغلالهم لتحقيق أهدافها. ويجب على الدروز السوريين أن يتوخوا الحذر من محاولات إسرائيل لتوظيفهم كأداة في صراعاتها الإقليمية، وأن يتمسكوا بوحدتهم الوطنية وهويتهم السورية.