السعودية تُعين سفيراً في دمشق: خطوة في الاتجاه الخاطئ؟
يحتفظ الشعب السوري بكل الاحترام والتقدير للملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز وسعود الفيصل وزير الخارجية (رحمهما الله) ولكل الجهود السعودية التي ناصرت الثورة السورية وساهمت في عزل نظام الأسد عربياً ودولياً مع تقديم كل أشكال الدعم للثورة السورية.
بعد التدخل العسكري الروسي في سوريا لمصلحة النظام وانطلاق عاصفة الحزم العربية في اليمن، انكفأ الأشقاء السعوديون عن لعب أي دور في الملف السوري (الذي بات دولياً بشكل كامل)، ولكن كانت تجمع قوى الثورة السورية مع المملكة العربية السعودية القتال ضد عدو مشترك هو نظام ولاية الفقيه وأذرعه الأخطبوطية في المنطقة. وفي أواخر العام 2022 جددت المملكة موقفها من نظام الأسد عبر خطاب ناري لمندوبها في الأمم المتحدة (السفير عبد الله المعلمي) شنّ فيه هجوماً لاذعاً على نظام الأسد وداعميه في الشرق، واتهمه بارتكاب مجازر جماعية وجرائم حرب ضد السوريين، وقال إنّ عرش الأسد القائم الآن مبني على جماجم عشرات آلاف المدنيين الذين قتلهم.
هذه المواقف المبدئية من المفترض ألا تغيرها المصالح السياسية (أو هكذا اعتقد السوريون).
ولكن حدث العكس في النصف الأول من العام الماضي حيث تغير الموقف السعودي من الأسد ب 180 درجة (بعد الصلح السعودي الإيراني) ولم يعد بشار الأسد ذلك القاتل الذي تحدث عنه المعلمي من نيويورك.
وبعد سلق مصالحة سعودية مع الأسد تمت دعوته لقمة جدة العربية وإعادة شغله لموقع سوريا فيها.
بين القمتين العربيتين (جدة 2023 والمنامة 2024) لم يحصل أي اختراق نوعي في العلاقات بين الرياض ودمشق، وكان التطبيع السعودي (والعربي) مع الأسد مشروطاً بتطبيق مطالب محددة وليس مجانياً، ولم يتمكن الأسد من خداع المملكة والعرب ببيع الوعود الزائفة والأوهام، وبالمقابل لم يدفع العرب له والسعودية خاصةً دولاراً واحداً تحت أي مسمى.
وتبقى إعادة الأسد إلى الجامعة العربية طعنة نجلاء للشعب السوري وثورته وإعطاء صكّ براءة مرحلي عن جرائمه التي يعرفها العالم، وكانت الخطوة المفجعة الأخرى للسوريين في تعيين سفير سعودي في دمشق، بعد أشهر من إرسال النظام سفيره إلى الرياض.
ولا يمكن للمملكة لعب دور قيادي في الإقليم بالاستناد لمصالحها الخاصة فقط، والتخلي عن مجموعة من القيم الأخلاقية والمواقف المبدئية من مجرمي الحرب وتجار المخدرات الدوليين.
ويمكن تفسير قرار المملكة الأخير أو تغير موقفها من نظام الأسد منذ أكثر من عام وفق النقاط التالية:
1- جربت السعودية البعد عن الملف السوري منذ عام 2016 ولم تجنِ شيئاً، سوى بروز أدوار إقليمية ودولية أكبر في الساحة السورية مع غياب كامل لأي تأثير سعودي.
2- محاولة امتلاك أدوات أو أوراق مؤثرة في الملف السوري، حيث لا تتخلى الرياض عن ثنائية عنوان الملف السوري، بمعنى إنّ سوريا تحت ولاية دولية عبر القرار الدولي الشهير 2254 وإن نظام الأسد ليس العنوان الوحيد لسوريا أو ممثلاً شرعياً لها، بل يوجد طرف آخر يشاركه الشرعية وهو المعارضة السورية التي تمثل الجهة الأخرى من السوريين وتحظى باعتراف دولي، وقد تضمنت مبادرة الحل العربية والبيان الختامي للقمتين التي حضرهما الأسد ذلك حيث تمت الإشارة إلى خضوع سوريا لحل دولي وضرورة تسريع خطوات الوصول إليه.
3- الاحتفاظ بعلاقة جيدة (وتزعج الأسد كثيراً) مع المعارضة السورية الشرعية الرسمية، حيث في ذروة كسر الجليد بين الرياض ودمشق، أعطت المملكة حصة من عدد الحجاج السوريين لهذا العام للمعارضة السورية.
4- امتلاك أوراق في مناطق الأسد للتأثير بالقوى الناعمة التي تتفوّق بها المملكة، وبدأت تلك الخطوات في إرسال مساعدات سعودية لمتضرري الزلزال السوريين في مناطق النظام عبر تسيير رحلات جوية من المطارات السعودية إلى مطاري حلب ودمشق، أيضاً تكثر الأحاديث عن خطط أممية لتأسيس صندوق للتعافي المبكر مقره دمشق بتمويل عربي حصراً وبموافقة أمريكية لتنفيذ مشروعات صغيرة في البنية التحتية تحت سقف الإنعاش المبكر.
5- تعلم المملكة أن الأسد مراوغ ولا عهد له، وأنه جزء هام من المشروع الإيراني في المنطقة بل ركيزة لذلك المشروع، وتعلم أن الأسد لم يتوانَ لحظة عن الإضرار بها وإنّ السوق الرئيسي لتصنيع وتهريب الكبتاغون السوري هو السوق السعودية، وقد فشلت مع لجنة الاتصال العربية في إقناعه بالعدول عن ذلك، وقد تكون تراهن المملكة أيضاً على إشارات عدم توافق بين الأسد والإيرانيين خاصةً بعد الحرب على غزة ونأي الأسد بنفسه عنها، وضيق الحالة المعيشية للحاضنة العلوية الصلبة، وتعلم المملكة كره شعوب المنطقة للنموذج الإيراني التخريبي (من مختلف طوائفهم) وتراهن على القوة الناعمة التي تملكها بتخريب ما أنجزته القوة الخشنة والتبشيرية الإيرانية، وتم رصد أصوات معارضة للنفوذ الإيراني خرجت على الإعلام من صلب الساحل السوري ولن يختلف اثنان أنها كانت بموافقة من النظام.
لن تنجح السعودية في مساعيها تلك وستكتشف لاحقاً بأنّ الأسد لا يرغب (ولا يقدر إن رغب) على تحجيم أي نفوذ إيراني في سوريا، ولا إيقاف سيل الكبتاغون المتجه عبر الخط الحديدي الحجازي من الشمال للجنوب والذي كان رمزاً عند السوريين والعرب لزيارة الأماكن المقدسة فحوله الأسد لطريق الكبتاغون المدمر، ولن تجد المملكة حليفاً لها يشاركها أهدافها الكبرى في التخلص من الاحتلال الإيراني وأذرعه لسوريا غير قوى وجمهور الثورة السورية.
علينا ان ننظر الى النصف الملآن من الكأس .
حتى يستمر الأمل وتستمر الحياة،
وحتى يعود إلى سوريا استقرارها وألقها
وبأفضل مما كان .
شكراً لك على تواجدك ومرورك الكريم!
غريب الموقف من المملكة وهي تعرف ان النظام عاجز لتنفيذ طلب الابتعاد. عن ايران. او تطبيق القرار ٢٢٥٤ الذي لم يتحفظ عليه بالبيان الختامي للجامعة