مؤسسة “مستضعفان” الإيرانية
في قلب الأحداث الاقتصادية والسياسية في سوريا، تتشابك الخيوط بين المؤسسات الإيرانية الضخمة والقوات الإيرانية ونظام الأسد، تاركةً وراءها أثراً متداخلاً يشير إلى تعاون مثير للجدل يخلف الكثير من الأسئلة حول طبيعة وأهداف هذه المنظمات الخبيثة.
مؤسسة “مستضعفان” الإيرانية التابعة لخامنئي هي منظمة ضخمة تأسست بعد الثورة الإسلامية في عام 1979 في إيران بهدف دعم “الفئات الضعيفة الأقل حظاً” في المجتمع، وإدارة الأموال والأملاك المصادرة من نظام الشاه. ومع مرور الوقت، تحولت هذه المؤسسة لتصبح أحد أكبر اللاعبين في الاقتصاد الإيراني، وامتدت أذرعها عبر عدة قطاعات من الصناعة والنقل.
تظهر المعلومات في التسريبات والتقارير السرية تنسيقاً وتعاوناً وثيقاً بين مستضعفان وفيلق القدس، الذراع الخارجي للحرس الثوري الإيراني، في تنفيذ مشاريع مختلفة في سوريا، تتراوح بين البنية التحتية والاستثمارات العقارية إلى أن وصلت إلى المشاريع الاجتماعيّة.
في رسالة سريّة مرسلة من قائد فيلق القدس إسماعيل قاآني إلى برويز فتاح، رئيس “مؤسسة مستضعفان” غول الاقتصاد الإيراني، يتم التأكيد على حاجة فيلق القدس لكميات كبيرة من زيوت السيارات سنوياً، والتي يتم تزويدها عبر إحدى الشركات الفرعية لمستضعفان.
من خلال تسريباتٍ أخرى، يبدو أن مؤسسة مستضعفان الإيرانية تولت مشروع “قاسم سليماني” بهدف إسكان عائلات قتلى ومعاقي ميليشيات فاطميون في المدينة الجديدة بهارستان، مستثمرة مبالغ ضخمة في هذا المشروع.
ما يبرز بوضوح هو أن هذا التعاون لا يقتصر على المجال الاقتصادي فحسب، بل يمتد أيضاً إلى المجالات العسكرية والاستخباراتية. يعتبر العقيد غلبرست، الذي يشغل منصب نائب قائد فيلق القدس في سوريا، شخصيّة محوريّة في هذا السياق، حيث يظهر اسمه في التسريبات والتقارير كمنسق ومشرف على مشاريع مستضعفان في سوريا.
إلى جانب ذلك، تظهر تسريبات أخرى تعاوناً وثيقاً بين فيلق القدس ومستضعفان في استغلال الأراضي وتبادلها بين سوريا وإيران، مما يشير إلى تنسيق وتعاون استراتيجي فيما يبدو أنها عمليات مدروسة لتحقيق مصالح مشتركة في المنطقة.
على الرغم من السرية التي تحيط بعمليات هذا التعاون، إلا أن هذه التسريبات والمعلومات تكشف عن جوانب غير معلنة من العلاقات بين القوات الإيرانية والمؤسسات الاقتصادية الكبيرة في إطار استراتيجية تهدف إلى تعزيز نفوذ إيران في المنطقة وتحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية متعددة الأوجه.
من جانب آخر، تظهر هذه التسريبات -أيضاً- انتقادات حادة توجه لمؤسسة مستضعفان داخل إيران، حيث يتم اتهامها بانتهاكات حقوق العمال، وانتهاكات الملكية الخاصة، بالإضافة إلى نقص الشفافية والمحاسبة في أعمالها. هذه الاتهامات قد تضعف مصداقية التعاون بين مستضعفان وفيلق القدس، وتعرضه لانتقادات داخليّة وخارجية.
سيطرة مستضعفان الإيرانيّة على الاقتصاد السوريّ
منذ بداية دخولها إلى السوق السورية في ديسمبر 2020، كانت مستضعفان الإيرانية تسعى إلى تحقيق أهداف متعددة في البلاد، بما في ذلك الاستثمار المباشر في القطاعات الاقتصادية المختلفة والتوسع في نشاطاتها هناك. ومن بين الأولويات التي ارتكزت عليها مستضعفان كان إطلاق مبقرة صناعية بحجم ألف رأس، ومشاركة في بناء وحدات سكنيّة، وتوسيع نشاطاتها في القطاعات الصناعيّة مثل إنتاج زيوت السيارات.
ومع توسيع نشاطاتها، بدأت مستضعفان بتنظيم خطوط بحريّة منتظمة بين الموانئ الإيرانيّة والسورية، وإطلاق خطوط ترانزيت برية للبضائع عبر العراق، والتشبيك البنكي. هذه الخطوات تعكس التكامل الاقتصادي العميق الذي تسعى إليه إيران مع سوريا. كما تظهر أيضاً الدور المحوري الذي تلعبه مستضعفان في تحقيق أهداف إيران الاقتصاديّة والأمنية في سوريا.
من المهم أيضاً فهم أن مستضعفان ليست مجرد شركة عادية، بل هي جزء من نظام الحكم في إيران فهي تتبع الى المرشد الأعلى خامنئي بشكل مباشر، حيث تتمتع بدعم وتأييد من النخبة السياسيّة والدينيّة في إيران، ومن خلال هذا الدعم، تتمكن مستضعفان من تجاوز العقبات وتسهيل عملياتها في الداخل والخارج، بما في ذلك في سوريا.
تظهر البيانات الداخلية لمستضعفان أن الهدف الرئيس من دخولها إلى السوق السورية هو تعزيز تواجدها الاقتصادي والسياسي في المنطقة، وتوسيع نفوذها على الصعيدين الإقليمي والدولي. وتشير التقارير إلى أن مستضعفان تلعب دوراً محورياً في دعم نشاطات فيلق القدس في سوريا، وتوفير الدعم اللوجستي والمالي الضروري لتحقيق أهدافه في سورية.
بشكل عام، فإن سيطرة مستضعفان الإيرانية على الاقتصاد في سوريا تعكس العلاقة الوثيقة بين إيران ونظام الأسد، وتؤكد على التدخل الإيراني العميق في الشؤون الداخليّة والاقتصادية لسوريا. ومن المحتمل أن تستمر هذه العلاقة في الوقت القادم، ما لم تتغير التوجهات السياسيّة والاقتصاديّة في المنطقة بشكل جذري.
الصفقة السرية: تبادل الأراضي بين سوريا وإيران
بناءً على الوثائق السرية التي نشرها تلفزيون سوريا، يظهر تبادل الأرضي بين ممثلي منظمة مستضعفان وفيلق القدس، أدى بأن تصبح العلاقات الاقتصاديّة مع سوريا تتعدى الحدود الشكليّة حيث تتداخل مع المصالح العسكريّة والأمنيّة الإيرانية. تبرز هذه الوثيقة التواصل المباشر بين الشركات الإيرانيّة وقوات فيلق القدس في تحقيق أهداف محددة وتحقيق مكاسب اقتصاديّة مترافقة مع الطموح بتطوير مزيد من المشاريع الاستثماريّة في سوريا.
يُظهر الاتفاق المعلن في الوثيقة المٌعَّدة بين مستضعفان وفيلق القدس نموذجاً واضحاً للتعاون بين الجهات الاقتصاديّة والعسكريّة الإيرانيّة في سوريا. وبموجب هذا الاتفاق، يتم تبادل الأراضي بين الجانبين، حيث يحصل فيلق القدس على ملكية عقار في طهران مقابل تقديم عقارات في دمشق.
تظهر هذه الخطوة الاستراتيجية، أن فيلق القدس ليس مجرد كيان عسكري، بل يمتلك مصالح اقتصاديّة وعقاريّة تتجاوز حدود الحرب. إن تطوير مثل هذه الصفقات يوضح كيف يَتم تحويل النفوذ العسكريّ إلى نفوذ اقتصادي، مما يُمكن إيران من تعزيز تواجدها في سوريا وتحقيق مكاسب استراتيجية طويلة الأمد.
علاوة على ذلك، تشير التفاصيل الواردة في الوثيقة إلى تحالفات إيرانية داخلية، حيث يتم التنسيق بين شركات مستضعفان وفيلق القدس من خلال اجتماعات واتصالات مباشرة بين ممثلي الجانبين. هذا يوضح العمق والتفاعل الوثيق بين القطاعين العسكريّ والاقتصاديّ في إيران، مما يعكس التوجه الشامل للنظام الإيراني نحو تحقيق الأهداف الاستراتيجية بأي وسيلة.
بشكل عام، فإن وثيقة تبادل الأرضي بين مستضعفان ونظام الأسد توفر بوّابة لتحقيق شكلاً معقداً من العلاقات الاقتصادية والعسكرية بين إيران وسوريا، تتداخل فيها المصالح الاقتصاديّة والعسكريّة الإيرانية في سوريا، مما يسلِط الضوء على الأطماع الإيرانيّة في سوريا والمنطقة.