نشر موقع “كلنا شركاء” عبر الفيسبوك خبراً مترجماً بأن الأمم المتحدة ستؤسس صندوقاً كبيراً لمشاريع التعافي المبكر في دمشق، رغم العودة إلى مواقع الأمم المتحدة يجدر الإشارة إلى أننا لم نجد هذا الخبر في المعرفات الرسمية لها، حيث تحدث الموقع عن إقرار وثيقة (استراتيجية التعافي المبكر 2024 – 2028) والتي تدعو إلى إنشاء صندوق إئتماني للتعافي المبكر Early Recovery Trust Fund (ERTF). وسيكون مقر هذا الصندوق الجديد في ( دمشق ) وسيعمل تحت القيادة المباشرة للمنسق المقيم للشؤون الإنسانية للأمم المتحدة.
بحسب ما يشرح “برنامج الأمم المتحدة الإنمائي” على موقعه الإلكتروني، فإن مصطلح “الإنعاش المبكر” أو “التعافي المبكر”، هو مقاربة لمعالجة احتياجات التعافي التي تبرز خلال مرحلة الاستجابة الإنسانية لأي حالة طوارئ، من طريق استخدام الآليات الإنسانية التي تتوافق مع مبادئ التنمية.
ويبرز الفرق بين التعافي المبكر وإعادة الإعمار من خلال ثلاثـة فروقٍ حسب دراسةٍ لمركز السياسات وبحوث العمليات في مقال بعنوان:
“التعافي المبكر وإعادة الإعمار في سوريا بين الواقع والسياسة”
- أنَّ وضعَ خططِ إعادة الإعمار وتَـنفيذَها يَقـعُ على عاتق الدولة، بينما يتمُّ تَخطيطُ وتَـنفيذُ التّـعافي المبكر من قِبَلِ مُنظّمات الإغاثة، سواءٌ كانت مَركزيةً تأتَـمِـرُ بأمر هيـئةٍ إداريةٍ واحدةٍ كالأمم المتحدة مثلًا أو مُنظماتٍ فردية.
- أنَّ التّـعافي المُبكرَ شَكلٌ من أشكال المُساعَدة الإنسانية، أما إعادة الإعمار فليست كذلك؛ إذ يُمكن أن تأتـيَ إعادةُ الإعمار على هيئة قروضٍ مُيـسّرةٍ من مُنظماتٍ منفردة أو متعددةِ الأطراف كصندوق النقد الدولي أو البنك الدولي أما التعافي المبكر فما هو إلا نوعٌ من أنواع المساعدة الإنسانية التي لا تَستـلزِمُ السَّدادَ لاحقًا.
- إن التّـعافي المُبكرَ يتم ترتيبُ أولوِيَّـاته تـبعًا للاحتِـياجات الإنسانية، حاله في ذلك حالُ أشكالِ المُساعَدات الإنسانية الأخرى، أما إعادةُ الإعمار فليستْ كذلك بالضرورة.
عليه، يمكن النَـظرُ إلى مُساعداتِ التّـعافي المُبكر على أنها نَشاطٌ يقـعُ بين النهج السائد اليوم، والمُتـمَحور حول المساعدات الإنسانية الأساسية _كالغذاء والمأوى وخدمات المياه والصرف الصِّحي والنظافة من جهةٍ، وإعادة الإعمار من جهةٍ أخرى.
وانطلاقاً من الخبر الذي يبدو محورياً في الساحة السورية، فإننا نحاول قراءته من زاويتي (الايجابيات والسلبيات)، لمشاركة رؤيتنا للمهتمين بالواقع السوري وتوسيع حدقة النظر لصانع القرار.
إيجابيات صندوق التعافي المبكر في دمشق:
يعيش الشعب السوري في كل المناطق السورية حالة مزرية، حيث صُرح قبل أيام رئيس اللجنة الأممية “باولو بينيرو” خلال الحوار التفاعلي مع لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سورية، في الدورة الـ55 لمجلس حقوق الإنسان التابع المنعقدة في جنيف بأن سورية “أكثر خطورة للعيش”، وشدّد على عدم سلامة عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، بسبب انتهاكات النظام السوري، والهجمات التركية شرقي سورية، وحالات التعذيب بيد الجيش الوطني في الشمال السوري، مع عدم توفر فرص التسوية السياسية الذي يجعل الوضع في سورية أكثر تعقيداُ.
كما يَعيش قرابةُ 90% من السوريين في فقرٍ مُدقعٍ، بينما يُعاني 60% منهم منِ انعدام الأمن الغذائي بعدما أدَّى الجفافُ الشديدُ الأسوأُ منذ عقودٍ إلى تَفاقُمِ خطر وقوع كارثةٍ إنسانيةٍ شاملة.
لهذا يمكن القول ابتداءً أن أي تحرك يكون عبر الأمم المتحدة يساهم في تخفيف المعاناة عن الشعب السوري فهي خطوة ايجابية، كما وتكمن ايجابية التحركات الأممية تجاه التعافي المبكر بجوانب أربعة:
الأول: استعادة الخدمات الأساسية كالخدمات الصحية، وتأهيل المدارس المحلية، وتجديد المطاحن، وصولاً إلى حماية مواقع التراث الثقافي، على مثال تجربة غزة سنة 2015م بما سُمي بـ “المساعدة لدعم التعليم، الصحة، والنوع الإجتماعي في الانتقال من حالة الطوارئ إلى التنمية”، والذي تم تمويله من خلال الوزارة الاتحادية الألمانية للتعاون الإقتصادي والتنمية (BMZ). باعتبار كل ذلك المرحلة التي يفترض بها أن تنقل البلاد من النزاع إلى السلم والاستقرار وتساعد في تهيئة الأرضية اللازمة لعملية إعادة الإعمار اللاحقة.
الثاني: تعزيز التعاون مع المنظمات غير الحكومية، حيث أن الاستثناءات الممنوحة لهذه المنظمات تُسهل إيصال المساعدات للشعب السوري مباشرة.
الثالث: سحب ذريعة النظام السوري بأن العقوبات الاقتصادية هي من تؤثر على الشعب، وليس بسبب سياساته الأمنية والاقتصادية، وتدهور الشفافية وانتشار الفساد في هيكلته الحكومية.
الرابع: القيام بالمشاريع التي توفر الإغاثة التي تشتد الحاجة إليها على المدى المتوسط والطويل للمدنيين السوريين، وذلك بالاستفادة من العمل الإنساني، لاغتنام الفرص الإنمائية وتطوير نوع من المقاومة، وإنشاء عملية مستدامة للتعافي من الأزمة. وبحسب البرنامج، فإن التعافي المبكر هو في الوقت ذاته يوفر أمرين: مقاربة للاستجابة الإنسانية تُركز عبر التنسيق المعزّز على تقوية القدرة على التكيّف وإعادة التأهيل وتعزيز القدرات، والمساهمة في حلّ المشاكل المزمنة التي فاقمت الأزمة، عوضاً عن زيادتها، ومن ناحية ثانية، فهو حزمة من الأعمال المبرمجة المحددة لمساعدة الناس في الانتقال من الاعتماد على المساعدات الإنسانية إلى التنمية.
سلبيات وجود صندوق التعافي في دمشق:
- بسبب حالة الصراع وتعنت النظام السوري في عدم قبوله لأي مبادرة أو حل سياسي شامل، سيكون إنشاء صندوق في دمشق حالة من النجاح الموهوم الذي لن تكون فوائده مُستدامة، إضافة لوجود سلبيات أهمها:
استغلال النظام السوري للمساعدات الإنسانية بتفاوضه مع المجتمع الدولي، تماماً مثل تفاوضه بخصوص معبر باب الهوى حيث كان ثمن موافقة النظام السوري على إدخال المساعدات الأممية عبر معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا، من دون إصدار قرار من مجلس الأمن الدولي هو ما طلبه وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد، خلال اجتماع لجنة الاتصال الوزارية العربية الذي عُقد في القاهرة في آب من العام الماضي، من مسألة دعم دمشق لتحصيل مشاريع “التعافي المبكر” ضمن المساعدات التي تقدّمها الأمم المتحدة حيث استغل النظام وحلفاؤه تجديد آلية تمديد المساعدات الأممية إلى سورية، عبر إصرار روسيا على تضمين مسألة “التعافي المبكر” ضمن قرار مجلس الأمن (2642) الصادر في 9 يوليو/ تموز 2021. - النظام السوري ماهرٌ بالتصيد والاغراق بالتفاصيل، ماسيسمح له في حال تأسيس الصندوق بالتحايل على العقوبات الاقتصادية المفروضة عليه عبر تعويله على الأموال والمشاريع المرتبطة بـ”التعافي المبكر” باعتبار أن لها غطاء دولياً عبر قرار مجلس الأمن، ولهذا فهو يستعجل الأمم المتحدة لزيادة عدد هذه المشاريع، وتوسيعها لتشمل جميع القطاعات، خاصة قطاع الكهرباء الذي يعيش واقعا متردياً، يوثر سلباً على كل القطاعات الأخرى، بما فيها الصناعة والزراعة والسياحة، إضافة إلى أن مشاريع إعادة الإعمار تمول عادة عبر قروض واجبة السداد في حين أن مشاريع التعافي المبكر تقدم كمساعدة إنسانية، وهذا بيت القصيد لدى نظام الأسد.
ووفقاً لتقرير صادر عن مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية، فإن المساعدات الإنسانية باتت المصدر الأساسي للعملة الصعبة بالنسبة للنظام السوري، حيث أفاد التقرير بأن الحكومات الغربية المانحة التزمت بتقديم 2.5 مليار دولار من المساعدات سنوياً منذ عام 2014 لمساعدة المحتاجين والمتضررين من الحرب في سوريا، لكن هذه المساعدات كانت تدعم النظام السوري في المقام الأول، فقد عمد النظام السوري إلى التلاعب بسعر الصرف بهدف الحصول على نصيب من هذه المساعدات.
ففي عام 2020 -على سبيل المثال- حصل النظام السوري على ما يقرب من 51 سنتاً مقابل كل دولار تم تحويله إلى سورية، وذلك من خلال إجبار وكالات الأمم المتحدة على استخدام سعر صرف أقل من السعر المتعارف عليه. - تهميش المناطق خارج سيطرة النظام والتي تبلغ نصف المساحة السورية تقريباً، مثلما حصل مع سرقة مساعدات الزلزال من قبل ميليشات النظام، ففي شرق سورية لا يوجد انخراط للأمم المتحدة، سوى من خلال مكتب القامشلي الذي يتبع لدمشق، وبالتالي يتم تنفيذ المشاريع من خلال شركاء محليين أو دوليين، بينما هناك نقص في المساعدات والتنظيم والخبرات.
في حين وبعد سيطرة “هيئة تحرير الشام” على محافظة إدلب انسحبت غالبية مشاريع “التعافي المبكر” عقب 2018، لتبقى مقتصرة على “الاستجابة الطارئة”.
خصوصاً وأن هناك قراراً غير رسمي من قبل هيئة تحرير الشام بمنع دخول المساعدات من قبل مناطق النظام السوري حتى لا يستغلها للتظاهر بأنه يقدم المساعدة. - تجاوز العمل على تطبيق مقررات جنيف خصوصاً القرار 2254، والقاضي بتشكيل هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات، للانتقال إلى مرحلة الاهتمام الدولي بقضية التعافي المبكر فقط، وجعله مساراً بديلاً على المدى الطويل عن تحقيق التسوية الشاملة.
- سورية تحتاج لإعادة إعمار حقيقي بسبب حالة الهدم الكبيرة، وليس لإعادة تأهيل فقط، وإعادة الإعمار لا يمكن أن تقوم بغير حل سياسي مستدام، وبالتالي سيكون صندوق التعافي المبكر في دمشق إعطاء أوكسجين للنظام السوري يرفع الضغط الاقتصادي عنه وتجعله مستمراً بوضع العراقيل أمام الحل السياسي.
- صندوق الاستجابة للطوارئ ليس واضحاً بشأن كيفية التواصل مع النظام السوري، حيث تشير استراتيجية التعافي المبكر 2024-2028 إلى التعاون مع البلديات؛ والتي ستتم مناقشتها من قبل اللجنة العليا للإغاثة كما هو معلوم في سورية الأسد، والتي بدورها ترأسها وزارة الإدارة المحلية والبيئة ووزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وكلا المنصبين مستهدفان بعقوبات الاتحاد الأوروبي، لتشمل أسماء الأسد، مع أن بعض المسؤولين غير المصرح لهم في الأمم المتحدة تحدث عن عدم شمول العقوبات لأعمال التعافي المبكر، إذا حينها سنكون أمام واقع عودة ضخ الدعم للنظام السوري عن طريق الأمم المتحدة ورفع العقوبات عنه.
- إسباغ الشرعية السياسية على نظام الأسد، من خلال التنسيق والتعاون مع النظام السوري بطريقة تضفي الشرعية عليه.
خاتمة وتوصية:
لاشك أن التعافي المبكر فيه منافع للشعب السوري إذا تم العمل عليه بشكل شفاف ومدروس، وتمت مراقبته من قبل السوريين أولاً، والمجتمع الدولي ثانياً، حتى لا يحصل انتهاك من قبل النظام السوري أو إحدى سلطات الأمر الواقع لهذا المشروع، إذ في دراسة لمركز عمران؛ زادت مشاريع التعافي المبكر خلال النصف الأول في 2022 عن النصف الثاني في 2021 بواقع 188 مشروعاً، وارتفع المؤشر 9% على أساس سنوي، وحاز قطاع التمويل للمرة الأولى على أكثر المشاريع تنفيذاً، وتم تنفيذ 54% من المشاريع في ريف حلب، كما تم تسجيل 1148 فرصة عمل من قبل المنظمات والمجالس المحلية في مختلق القطاعات الاقتصادية.
ولكي يكون مشروع التعافي المبكر فعالاً في سورية، فإننا نوصي بتطبيق عدة عوامل:
إصلاح وترميم البنى التحتية المدنية الحيوية، حيث يشمل البنية التحتية الأساسية مثل الطرق والجسور والمدارس والمستشفيات وغيرها من المرافق العامة.
إزالة الأنقاض والنفايات الصلبة، عبر تنظيف المناطق المتضررة من الأنقاض والنفايات الصلبة لتحسين الظروف المعيشية.
التركيز والتوجه نحو الأنشطة المدرة للدخل وإجراءات التدخل المستندة إلى السوق، عبر توفير فرص العمل وتعزيز الأنشطة الاقتصادية المحلية.
التدريب المهني والتدريب على المهارات، من خلال توفير التدريب والتعليم لتعزيز مهارات الأفراد وتحسين فرص العمل.
التماسك الاجتماعي وإجراءات التدخل المجتمعية، وهذا يشمل تعزيز التعاون والتفاهم بين مختلف الجماعات المجتمعية.
مراقبة ومنع أي استغلال سلطوي من قبل النظام السوري أو أي سلطة أمر واقع في سورية لمشاريع التعافي المبكر.
شمول مشاريع التعافي المبكر كامل أرجاء الخريطة السورية بالتساوي بين كافة المناطق السورية.
ومن الجدير بالذكر أن هذه العوامل تتطلب التعاون والتنسيق بين مختلف الأطراف، بما في ذلك النظام السوري، وسلطات الأمر الواقع في المناطق خارج سيطرته، إضافة إلى المجتمعات المحلية، ما يعني الحصول على ضمانة حلفاء تلك السلطات بألا يتم استغلال صندوق التعافي المبكر لمصلحة النظام سياسياً أو التحايل على رفع العقوبات عليه.
المصدر: موقع تيار المستقبل السوري
منقول