تعتبر منطقة درعا في جنوب سوريا محط أنظار العديد من المحللين والمتابعين للشأن السوري، حيث تشهد تحولات مستمرة في توزيع القوى والتأثيرات السياسية والعسكرية. على الرغم من الانطباع السائد بسيطرة النظام السوري على المنطقة بشكل كامل، إلا أن الواقع يكشف الكثير من التحديات والمتغيرات التي تجعل من تحليل الوضع في درعا مهماً ومعقداً.
تأتي هذه المقالة لاستكشاف خريطة توزيع القوى في درعا بشكل شامل، مع التركيز على الأطراف المختلفة التي تمتلك تأثيراً في المنطقة ودورها في تشكيل الوضع الراهن.
النظام السوري: استعادة السيطرة بالتدريج
بعد تسوية الأوضاع في عام 2018، بدأ النظام السوري بتمكين سيطرته على مناطق درعا بشكل تدريجي. ومع ذلك، فإن نظام الاسد يواجه تحديات مستمرة في استعادة السيطرة الكاملة نظراً لوجود جيوب من المقاومة المسلحة والتصدي لمحاولاتها.
الفصائل المسلحة: صمود ومقاومة
بالرغم من استعادة النظام لبعض المناطق، إلا أن هناك فصائل مسلحة ما زالت تمتلك تأثيراً في درعا. يُعزى ذلك جزئياً إلى دعم ورعاية من بعض الجهات الخارجية، وكذلك إلى الدعم الشعبي الذي يتلقونه.
القوى الإقليمية: دور حزب الله وإيران
تظهر المنطقة تواجداً ملموساً لقوات حزب الله اللبناني والقوات الإيرانية، والتي تمتلك أجندة خاصة في الحفاظ على مصالحها في سوريا ودعم النظام السوري. يعتبر وجودهما عاملاً مؤثراً في تشكيل المشهد السياسي والعسكري في المنطقة.
الديناميات الداخلية: التوافق والتنافر
في درعا، تتلاقى عدة عوامل سياسية واجتماعية واقتصادية لتشكل ديناميات داخلية معقدة تتراوح بين التوافق والتنافر. تأثير النظام السوري، الفصائل المسلحة، والقوى الإقليمية يلعب دوراً رئيسياً في هذه الديناميات، مما يؤدي إلى تشكيل نسق متشابك من التفاعلات والصراعات داخل المنطقة.
التوافق:
1. الأمن والاستقرار:
في بعض المناطق، يتمتع النظام السوري بتوافق مع السكان، خاصة فيما يتعلق بضمان الأمن والاستقرار. يُفضل البعض التعايش مع النظام السوري لضمان الحماية والحفاظ على الحياة اليومية.
2. الدعم الاقتصادي:
توفر بعض المناطق الخدمات الاقتصادية والتنموية من خلال دعم النظام السوري، مما يجعل السكان يتفاوضون على التوافق والتعايش معه.
التنافر:
1. القمع وانتهاكات حقوق الإنسان:
يعاني العديد من السكان من التنافر مع النظام السوري بسبب القمع وانتهاكات حقوق الإنسان التي يقوم بها، مما يؤدي إلى نشوء المقاومة والانتماء للفصائل المعارضة.
2. التوتر السياسي:
تتسبب الاضطرابات السياسية والصراعات الداخلية في تصاعد التوتر والتنافر بين السكان، خاصة في المناطق التي يتداخل فيها تأثير الفصائل المسلحة والنظام السوري.
3. الصراع على الموارد:
يؤدي الصراع على الموارد مثل المياه والغذاء والكهرباء إلى تصاعد التوترات والتنافس بين السكان والأطراف المعنية، مما يزيد من الصراعات الداخلية.
بهذه الطريقة، تعكس درعا تعقيدات الديناميات الداخلية التي تحدد علاقة السكان مع النظام السوري والفصائل المسلحة والقوى الإقليمية. تتأثر هذه العلاقات بالعديد من العوامل المتشابكة، مما يجعل الوضع في المنطقة متغيراً ومتقلباً باستمرار.
تعتبر إيران واحدة من القوى الإقليمية الرئيسية التي تلعب دوراً مهماً في النزاع السوري، بما في ذلك في منطقة درعا. يتمثل الدور الإيراني في درعا في عدة جوانب:
1. الدعم العسكري واللوجستي:
تقدم إيران دعماً عسكرياً ولوجستياً للنظام السوري وللفصائل الموالية له، ويشمل ذلك تزويدها بالأسلحة والذخائر والتدريب العسكري. يُعتبر الدعم الإيراني أحد العوامل التي ساهمت في قدرة النظام على استعادة السيطرة على بعض المناطق في درعا.
2. الوجود العسكري المباشر:
تقوم إيران بنشر قواتها الخاصة ومقاتليها الموالين في درعا، سواء كان ذلك بشكل مباشر أو عن طريق التدريب والمشورة العسكرية. يتولى هؤلاء القوات دوراً مهماً في دعم النظام وحلفائه في مواجهة الفصائل المعارضة.
3. الدور السياسي والاقتصادي:
تسعى إيران أيضاً إلى تعزيز تأثيرها السياسي والاقتصادي في درعا، وذلك من خلال دعم الهيئات والمؤسسات الموالية لها وتقديم المساعدات الاقتصادية والإنشائية. تهدف إيران من خلال هذه الجهود إلى تعزيز الولاء لحكومة النظام السوري وضمان مصالحها الإقليمية في المنطقة.
4. الدور الديني والثقافي:
يمارس إيران أيضاً دوراً دينياً وثقافياً في درعا، حيث تسعى إلى تعزيز التوجه الشيعي والتأثير الثقافي الإيراني في المنطقة. يتضمن ذلك بناء المدارس والمراكز الدينية الشيعية، وتوجيه الدعوة للانضمام إلى المذهب الشيعي.
بشكل عام، يمثل الدور الإيراني في درعا عنصراً مهماً ومؤثراً في تشكيل الوضع السياسي والعسكري في المنطقة، ويعكس الجهود التي تبذلها إيران في سبيل تحقيق أهدافها الإقليمية في سوريا.
في الختام، فإن فهم توزيع القوى في درعا يتطلب تحليلاً دقيقاً وشاملاً للعديد من العوامل المتشابكة، ويعتبر هذا الفهم أساسياً لتطوير استراتيجيات فعالة تهدف إلى تحقيق السلام والاستقرار في هذه المنطقة الحساسة من سوريا.
تعليقات 1