تسير الأمور بشكل تصاعدي ومتسارع بعد السابع من أكتوبر.ها هو التحالف المتمترس على شواطئ فلسطين، و عينه تتجاوز غزة يحدد أهدافه، وخاصة الرأس الوظيفي المدبّر القابع في قُم؛ حيث أضحى استهدافه مسألة وقت؛ والبداية من الأذرع. لقد تبيّن أنه ممنوعٌ ترك المساحة مفتوحة بهذا الشكل للمنظومة التخادمية الوظيفية، ليحدث هذا التراكم الهش من الضعف الاستراتيجي.
صارخاً بإيحاءاته كان استقبال الأسد الجاف في السعودية؛ وكذلك خروج الكثيرين إثناء إلقائه كلمته، والذي يعكس معرفة الجميع بدرجة الهشاشة التي وصل إليها داخلياً وإقليمياً ودولياً. قامت مظاهرات مساندة لغزة في كل مكان إلا حيث تتواجد منظومة الأسد؛ وغاب كل موقف رسمي عن “سلطته”، باستثناء الثرثرات المنسوخة التي تفوّه بها في القمة بضرورة المحاسبة على ما يحدث في غزة، وكأن الآخرين غافلون عن ارتكاباته.
ها هو نظام الأسد يجد نفسه عارياً و مُجبَراً على تلوّن من نوع جديد، لأن الاختباء وراء الأذرع انتهى، وخاصة الذراع السني. فها هي غزة تستغيث، مرغمة لترك آخر شغاف الروح، للأسف الشديد. لقد أخذت حماس خياراً مذهلاً خَرَقَ وأذلَّ أعزَّ ما عند الكيان، جاعلةً خسارته غير مسبوقة، معتقدةً أن حجم خسارة الكيان ستجبره على الجلوس إلى الطاولة مرغماً يدعو المهاجمين ومَن خلفهم ومعهم لبازار تقاص كبير، تستفيد منه.
فاجأ ما يُسمّى “محور المقاومة”إبداء إسرائيل استعداداً لتقبُّل هذا الحجم من الخرق؛ إلا أن إسرائيل حسَبَت أن مقابل ذلك سيكون الحصاد الأكبر، وأوله انهاء حماس؛ وهذا تحديداً ما فاجأ حماس ومحورها. من جانبها، لم يكن لدى حماس غير العملية التي تمت، وردات الفعل على ماستفعله إسرائيل الآن. ليس هناك الآن الاّ علو الصيحات، وتوقف سبل الحياة بكليتها؛ فالهجرة اليهودية العكسية المأمولة توقفت، بينما ملايين غزة هي التي تهاجر. لقد أصبحت إسرائيل داخل القطاع، والمجتمع الدولي مهيأ، ولن يتمكن من التدخل بأي مشروع سياسي او أمني يخص إسرائيل، إلا كما تريد إسرائيل وأمريكا.
وفي الجانب التخادمي، سيُوضع الكثير من الخطوط الحمراء على المسؤول المباشر عن الاذرع الوظيفية. وكان من الممكن للذراع الأسدي أن يتماهى وظيفياً، ولكن ذلك كان ممكنا قبل ٢٠١١؛ فبحدث غزة، وبعد ١٣ عاماً من الارتكابات، توقَّع المحور -وخاصة نظام الأسد- أن يفتح له فعل غزة سِلَّمَ التقاص، بغية احداث انفراج، كرفع او تخفيف العقوبات، أو إطلاق يده بمعالجة الوضع في السويداء، أو عودة شرعية كاملة مع تدفقات مالية؛ حيث حاول في الخليج وفي الصين بعد الغرق الروسي، ولكن عبثاً.
اعتَقَدَ نظام الأسد أن حماس ربما تفتح له خطأً بهذا الاتجاه، لكنه – كما الآخرين – فوجىء بكم العنف الذي استخدمته حماس، وبقدرة الاسرائيليين على تحمل الصدمة واستيعابها. ربما بدأ الآن يفهم أن الحصاد سيكون بصالح إسرائيل بالمطلق. والأكثر، ربما بدأ يحس بان الامر سيمتد من الاذرع الى الراس؛ فالمنظومة التخادمية المتمثلة بايران والنظام وحزب الله والحوثي رأسين وذراعين. الذراعان في اليمن ولبنان مؤدلجة، لكن الرأسين في دمشق وطهران “مكيافليان”، وظفا الادلجة لمصالح سلطة. بعد غزة تلاشى ذراع سني ضاع في تقاطعات المشهد وحسابات أطرافه؛ وهامش لعبة التقاص تقلّص، و تمَّ تحديد الرأسين كطرفٍ مسؤولٍ مباشرةً.
ما كان لدى نظام الأسد مشكلة بانتهاء حماس او فلسطين، لو كان وضعه غير ذلك؛ فهو مهلهل، ويتعايش مع وضع الجولان، ومع قصفٍ اسرائيليٍ يومي. ربما اعتقد انه يمكن ان يستثمر بدم حماس، كي يُفتح له تقاصّاً تفاوضياً عليها عبر الطرف الإيراني، الاقوى في المعادلة، معتبراً نفسه مستفيدًا كتحصيل حاصل؛ كأن تجري المفاوضات مع ايران وهو يستفيد؛ إلا أن الصورة قُلِبَت بالكامل، وخاصة أنه أساساً بحالة اختناق من العقوبات، والضغط الاقتصادي والسياسي؛ ومن ملفاته الجرمية التي قد تتحرك في أي لحظة.
باختصار، الوضع بالنسبة لنظام الأسد مربكٌ جداً و كارثي؛ لا مسرحية استهداف جنوده من داعش تفيده، ولا حادث الخرق في سعسع ينفعه؛ إنه ببساطة غير قابل للاستهلاك، حتى ولو مدّ يده من تحت الطاولة لطرح سلام مفتوح، ودون مقابل مع إسرائيل.
لقد اتى درس حماس ليكثّف الوعي عند الإسرائيليين. ها هي لعبة “الجهادية السنية”، التي ابتدعها الملالي، تصل إلى نهايتها؛ والحصاد الذي تنتظره إسرائيل يخيف المحور الوظيفي التخادمي “المقاومة والممانعة”سابقاً. وبخصوص “حزب الله”، لنتمعن فقط بتصريح أحد المسؤولين الإسرائيليين بأن “جبهة الشمال مع لبنان لن تعود كما كانت”. إن استطالة الحال في غزة يضاعف احتمال مساس الشرارة بالصاعق. الواضح أن عقابيل حرب غزة كبيرة، وستأخذ بطريقها الكثير.