في مشهدٍ غير مسبوق منذ عقود، اكتظّت الساحات والميادين في مختلف المحافظات السورية بآلاف المواطنين الذين خرجوا إحياءً للذكرى الأولى لانطلاق عمليات “ردع العدوان”؛ المعركة المفصلية التي توّجت بإسقاط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024، وفتحت الباب أمام ميلاد مرحلة سياسية جديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع.
لم تكن هذه الفعاليات مجرد احتفال مناسباتي، بل بدت إعلاناً جديداً لوحدة وطنٍ أنهكته الحرب، ورفضاً قاطعاً لأي محاولات لتقسيمه أو العبث بنسيجه الاجتماعي.
استجابةً لدعوة الرئيس الشرع في خطاب متلفز عشية المناسبة، خرج المواطنون من كل فئاتهم ومكوّناتهم إلى الساحات، رافعين الأعلام السورية وشعارات تؤكد على وحدة البلاد. محافظات دمشق، حمص، حلب، اللاذقية، طرطوس، حماة، إدلب، درعا، دير الزور، وسواها شهدت مظاهرات حاشدة أعادت إلى الذاكرة لحظات الانتصار الأولى وردّ الاعتبار للشعب السوري.
في العاصمة دمشق، انطلقت المسيرات من أمام الجامع الأموي مروراً بسوق الحميدية وشارع النصر وصولاً إلى ساحة الأمويين، في استعادة رمزية لطريق الحرية الذي طالما حُلم به. المشهد هناك حمل رسائل واضحة: لا مكان للتقسيم ولا لخطوط فصل بين أبناء الشعب الواحد.
في اللاذقية، احتشد آلاف المواطنين في ساحة الشيخ ضاهر، مؤكدين أن سوريا ملكٌ لكل السوريين بمختلف قومياتهم وطوائفهم. أما في طرطوس وبانياس وجبلة، فقد شهد الكورنيش البحري فعاليات واسعة تنوعت بين مسيرات ووقفات شعبية، جسدت رفضاً راسخاً لأي دعوات انفصالية.
وفي حمص، التي سجلت واحدة من أكبر التجمعات الشعبية، شارك ما يزيد على 300 ألف شخص في مظاهرات حاشدة. مدير الشؤون السياسية في حمص، عبيدة الأرناؤوط، أكد أن حجم المشاركة “يعكس الوعي الجمعي بأن الوطن مساحة مشتركة لا ساحة صراع”.
أما حلب، مهد معركة “ردع العدوان” ومنطلق شرارتها من بلدة قبتان الجبل، فقد شهدت فعاليات ضخمة في ساحة سعد الله الجابري ومدن الريف مثل السفيرة ومنبج. وفي إدلب، توافد المواطنون إلى ساحة السبع بحرات ومدن أريحا ومعرة النعمان وخان شيخون وسلقين، مجددين رفضهم لأي مشاريع تقسيم.
وفي درعا، مهد الثورة الأولى، أعاد المواطنون إحياء ذكرى المعركة في ساحة 18 آذار، في مشهد يحمل رمزية تاريخية عميقة. مدن طفس والصنمين وبصرى الشام شاركت بدورها في الفعاليات، في تأكيدٍ آخر على أن الجنوب متمسك بوحدة البلاد.
رددت الحشود هتافات مثل:
“واحد واحد واحد… الشعب السوري واحد”
“سوريا لجميع السوريين”
“مستعدون للحفاظ على وحدة سوريا”
هذه العبارات بدت وكأنها تلخص جوهر المرحلة الجديدة التي تسعى فيها البلاد إلى تضميد جراح سنوات الحرب، واستعادة مكانتها بين الأمم.
ردع العدوان: لحظة مفصلية في التاريخ السوري
في الثامن من ديسمبر 2024، تمكن الثوار السوريون من دخول دمشق والإطاحة بنظام حكمٍ دام أكثر من نصف قرن تحت آل الأسد. عاش السوريون خلال تلك الحقبة عقوداً من القمع الأمني والانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان، مما جعل من يوم سقوط النظام حدثاً احتفالياً يتعامل معه السوريون كعيد وطني يعيد لهم شعور السيادة والكرامة.
لم تغب الأحداث الراهنة عن المشهد، إذ عبر المتظاهرون عن تضامنهم مع أهالي بيت جن في ريف دمشق ونددوا بالاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة، مؤكدين أن سيادة سوريا خط أحمر وأن وحدة الشعب هي خط الدفاع الأول في وجه أي تهديد خارجي.
وطن يولد من جديد
في الذكرى الأولى لردع العدوان، بدا واضحاً أن السوريين يستعيدون ثقتهم بقدرتهم على بناء مستقبل جديد قائم على الشراكة الوطنية والعدالة والسيادة. مشاهد الساحات كانت رسالة للداخل والخارج تقول:
“سوريا واحدة… وستبقى واحدة”.










