لم يكن سقوط النظام الأسدي المجرم أمرا سهلا على أسياده في تل أبيب وواشنطن، وعواصم الاستعمار التقليدي.
وصف النتن ياهو هذا السقوط بأنه خطأ لا بد منه ….
ومن نافلة القول تكرار ما وراءه بما جرّه طوفان الأقصى على المنطقة من تغييرات كسرت رتابة الحلف الصفيوني التخادمي
لينفتح المشهد على تصادم أطراف هذا الحلف واضطرار إسرائيل على ترك نظام المجرم بشار لمصيره رغم أهمية بقائه لها. وبالعودة إلى تاريخ المشروع الفرنسي في احتواء الطائفة النصيرية بدءا من رحلة الملازم والبول ١٨٥١م وصولا إلى رحلة ليون كاهون ۱۸۷۷م الذي عمل على إحياء العلاقة بين الصليبيين في حملاتهم على بلاد الشام والمراكز التي أقامها الإسماعيليون والنصيريون على سواحل المتوسط قبل أن يزيلها الظاهر بيبرس بعد معركة عين جالوت والتي كانت تدعى جبال بهراء لأن معاوية بن أبي سفيان قد اقتطعها لقبيلة بهراء اليمنية فتحول اسمها إلى
جبال النصيرية نسبة إلى مؤسس المذهب النصيري محمد بن نصير المتوفى فيه ٢٧٠ للهجرة، وإلى القرن التاسع عشر حيث بدأ اهتمام الفرنسيين بالمنطقة فغيروا تسميتها إلى جبال العلويين، فجاء دخول غورو عام ١٩٢٠م إلى دمشق.
تتويجا لذلك الجهد الذي قدماه والبول، وكاهون، وقد عبر عن هذه العلاقة الحميمة ابن شيخ الجبل المعروف ببدوي الجبل محمد سليمان الأحمد حين استقبل غورو بقصيدة مدح عده فيها فاتحا ومحررا، ونشرها في مجلة ألف باء، حيث أسماه رئيس تحريرها بدوي الجبل، ومطلعها:
أسد أطل على الشام فراعها *** وكذا تكون مطالع الآساد

وفي عام ١٩٢١م نشر قصيدة في جريدة لبنانية يهاجم بها الثوار السوريين على الاستعمار الفرنسي.
كل هذا يعبر عن العلاقة بين الاستعمار الفرنسي والطائفة النصيرية، وعلى هذا الأساس قامت فرنسا بتنفيذ منهج طائفي لتقوية الطائفة النصيرية أولا ومن ثم بقية الطوائف، فشكلت جيش المشرق وقوات الشرق ضمن مخطط تقسيم سوريا، وفي هذا الصدد وجه الرئيس الفرنسي ألكسندر ميلران. خطابا سريا إلى الجنرال هنري غورو عام ١٩٢٠م جاء فيه:
ان العلويين الذين يقطنون المناطق الساحلية والجبلية السورية ويتحدثون اللغة العربية يمثلون طائفة دينية مرتبطة بالإسلام، ولكنهم في الواقع ليسوا جزءا من الدائرة الإسلامية، ولا ينبغي اعتبارهم مسلمين
وفي عام ١٩٢٢م أعلن الفرنسيون استقلال الساحل واعترفوا رسميا بحكومة العلويين التي أصبحت تعرف باسم بلاد العلويين.
وإلى جانب هذا ركز الفرنسيون على إنشاء جيش المشرق من الأقليات السورية واللبنانية عبر نظام التطوع وتم تقسيمهم إلى مجموعتين رئيستين: الأولى عرفت باسم : “الجوقة السورية والقناصة اللبنانية” والثانية باسم : “الحرس الخاص المرتبط بضباط الاستخبارات الفرنسية“. وكانوا تحت قيادة ضباط فرنسيين إلى جانب قلة من الضباط السوريين الذين تخرجوا في المدرسة العسكرية التي أسسها الفرنسيون.

وفي المدة ما بين ١٩٢٦م و ١٩٣٩م ضم جيش المشرق أكثر من اثني عشر ألف جندي تم تنظيمهم في عشر كتائب مشاة كان معظمهم من العلويين إلى جانب أربعة أسراب من سلاح الفرسان تضم دروزا وشراكس وسوريين مختلطين. وبحلول عام ١٩٣٨م أنشأت فرنسا الأكاديمية العسكرية بحمص، وكان تركيزها ينصب على تخريج ضباط نصيرية ودروز، وهو ما أشار إليه الجنرال هنستيغر القائد العسكري في فرنسا في تصريح له عام ١٩٣٥ م بقوله:
« يجب ألا ننسى أن العلويين والدروز هم الأعراق الحربية في ولايتنا، جنود من الدرجة الأولى البلد من بينهم أفضل فرقنا الخاصة.»
هذا الجيش الطائفي الذي شكلته فرنسا والذي تجاوز عدده خمسة وعشرين ألف جندي وضابط أصبح نواة الجيش السوري بعد الاستقلال واوصل في عام ۱۹۷۰م حافظ أسد إلى السلطة بعد الاستقلال، وهو من أوصل في عام ١٩٧٠م حافظ أسد إلى السلطة.
بعد الحرب العالمية الثانية دخلت الولايات المتحدة الأمريكية السياسة الدولية من أبواب عدة كان من أهمها بوابة الانقلابات العسكرية، فكان القلاب حسني الزعيم في آذار ١٩٤٩م. ثم انقلاب سامي الخلاوي في أن ١٩٤٩م ثم القلب أديب الشيشكلي في كانون الأول ١٩٤٩م ، وانقلابه على الدستور في عام 190م تم الانقلاب عليه عام 1904م وعودة الكتلة الوطنية بقيادة الرئيس شكري القوتلي في عام ١٩٥٥م ثم القلاب الوحدة بقيادة جمال عبد الناصر عام ١٩٥٨م ثم انقلاب الانفصال في عام ١٩٦١ م بقيادة المقدم عبد الكريم النحلاوي، ثم انقلاب البعث في عام ١٩١٣م.
وبوصول البعث إلى السلطة انفتحت الساحة على اتساعها للصراع الطائفي. وتصفية الحسابات بين مراكز القوى الباطنية.
ومن – آذار – ١٣ م إلى ١٣ شباط 1 ١١ م نجح الطائفيون العلويون والدرور والإسماعيليون (عدس) في إخراج السنة عن الساحة، ومن 1966م إلى 1970م النجح العلويون بإخراج الدروز والإسماعيلية من الساحة فختلت لهم فخططوا لدولة طائفية، وركزوا اهتمامهم على المؤسسة العسكرية والأمنية
اتبع حافظ أسد لتمكين حكمة عدة خطوات، منها:
- تسليم الضباط النصيرية أهم القطعات العسكرية.
- تشكيل سرايا الدفاع وتسليمها لشقيقة المحرم رفعت است
- تسليم الأجهزة الأمنية لضباط نصيرية ودروز
ثم اختبرهم في مجازر السبعينيات، ثم في مجزرة المجازر عام ١٩٨٢ م في حماة فاختار منهم اشد الضباط إجراما وطائفية من النصيرية والدروز ومرتزقة السنة مغموري الأصول ليكونوا ساعده في تسلم القطاعات العسكرية والدوائر الأمنية.
والسجون التي تحولت إلى مسالخ بشرية لا مثيل لها.
وبموت حافظ اسد بدت سوريا دولة نصيرية بامتياز إلى جانب مجموعة من الضباط الدروز الطائفيين ورثها ابنه القاصر بشار مطمئنا إلى هذه القوة التي تمنحها السطوة والحكم دون أدنى حساب، وفي هذا الصدد لن نتحدث عن الدور الإيراني، ولا عن حماية إسرائيل للنظام النصيري الذي اضطلع بمهمة حماية حدودها وتأمين مصالحها وأطماعها في المنطقة العربية والتماهي معها في تدمير العراق وتهيئته بعد الغزو الأمريكي للنفوذ الإيراني الطائفي.
وإنما سننتقل إلى مرحلة الربيع العربي ووصوله إلى سوريا وتحويله إلى مذبحة كبرى بمشاركة إيران وأذرعها الطائفية، ثم التدخل الروسي بتكليف صهيوني لحماية النظام النصيري حيث ظهر للعالم أن النظام الأسدي ما هو إلا عدو حاقد على الشعب السوري يقتل بدم بارد ويدمر البلاد كأي عدو مستعمر لا يمت بصلة لهذا الوطن الذي أصبح على مدى أربع عشرة سنة إلى مثال للحقد والانتقام. وفي يوم ٨-١٢-٢٠٢٤م تحقق النصر للثورة السورية بعد صبر طويل وتضحيات كبرى فضلا عن المتغيرات الإقليمية والدولية، وهنا انفتح المشهد على أحداث تشير بوضوح إلى الإرث الطائفي البغيض، فكان على الشكل الآتي:
- هروب المجرم بشار إلى روسيا بعد أن أيقن من خسارته للمعركة بعد أن تجاوزت قوات الثورة مدينة حلب.
- – سارعت قوات الهجري قبل دخول دمشق بساعات من قبل الثوار إلى دخول دمشق عند الساعة الرابعة فجرا، وقامت بنقل كبار الضباط من الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري، والمخابرات إلى السويداء.
- نقل أرشيف الدولة ووثائق مهمة وسرقة البنوك، ونقل كثير من المساجين السياسيين من سجون النظام، والجدير بالذكر أن نقل المساجين لم يتوقف قبل انتصار الثورة.
وهنا لا بد من الإشارة أن حكمت الهجري العميل المزدوج للنظام الأسدي وإسرائيل كان ينسق مع النظام في نقل الأطفال الذين يولدون في سجون النظام الفاجر إلى السويداء تمهيدا لنقلهم إلى إسرائيل حيث يباعون أحياء أو على شكل أعضاء. كما كان الهجري يشارك في تجارة الكبتاغون عن طريق الحدود الأردنية. فضلا عن أن السويداء تحولت إلى ساحة لحزب الله اللبناني، وحزب اللواء الإيراني، وعناصر قسد، وفلول النظام.
افتعل مشكلة مع بدو السويداء ليستجر الدولة إلى السويداء في فخ رسمه بتوجيه من الكيان الصهيوني، وخداع سياسي أبدته إسرائيل بعدم التدخل في الأحداث الداخلية الجارية في السويداء لكن حين تحركت قوات وزارة الدفاع السورية وقوات الأمن السورية لفض الاشتباك وتحقيق الأمن في مدينة السويداء كانت المفاجأة في نصب كمائن لها من قبل شبيحة الهجري وفلول النظام البائد مما اضطر قوات الحكومة إلى الانسحاب بعد قيام الكيان الصهيوني بقصف هذه القوات وتطوير الحدث بقصف قيادة الأركان والقصر الجمهوري، وتعزيز ذلك بتنفيذ مذابح مروعة للبدو الأمر الذي استفز القبائل العربية التي سارعت لنجدة إخوتهم من بدو السويداء في مشهد من مشاهد البطولة والغيرة العربية.
وبقدر ما كان الموقف تاريخيا ورائعا بقدر ما وضع الحكومة السورية أمام موقف دقيق وحساس، فكان لا بد من تفويت الفرصة، وإفشال المخطط الصهيوني في استهداف جنوب سوريا وتحقيق منطقة عازلة تستهدف وحدة سوريا وتحقق حلم إسرائيل في تقسيم سوريا وتدميرها. من هنا جاءت حكمة القيادة السورية في تهدئة الوضع وسحب قوات القبائل العربية والاحتكام إلى صوت العقل في فضح مطامع إسرائيل وحقيقة تدخلها في شؤون سوريا.
لا شك أن الموقف في السويداء ما زال على حذر شديد ويتطلب مزيدا من الحكمة لمعالجة التمرد الهجري وكشف ما يجري داخل السويداء للوصول إلى سحب البساط من تحت أقدام هذه الشرذمة الانفصالية وإعادة السويداء إلى حضن الوطن، وهذا يتطلب موقفا حازما من وطني السويداء وقواها الوطنية المخلصة لأخذ دورها في تحقيق هذا الهدف.
الهجري هو السبب الأول بالفوضى والدم بالسويداء باع أهله وخان دولته وجرّ المحافظة كلها للجحيم