في تطور لافت يحمل أبعاداً إنسانية وسياسية معاً، شهد ريف الحسكة في 29 تموز 2025 تحضيرات لإخراج 40 عائلة سورية من مخيم الهول، في إطار تنسيق مباشر بين الحكومة السورية والإدارة الذاتية في شمال شرق البلاد، وبإشراف منظمات دولية. وتأتي هذه الخطوة امتداداً لتفاهمات وزيارات سابقة، لتشكل مؤشراً على تحوّل نوعي في مقاربة الملف الإنساني وملف النازحين، وكسراً لحالة الجمود التي طالما وسمت العلاقة بين المكونات السياسية السورية.
ترحب القبة الوطنية السورية بهذه الخطوة، وترى فيها أكثر من مجرد إجراء إنساني محدود النطاق، بل تعتبرها إشارة واعدة إلى إمكانية التأسيس لمسار توافقي جديد بين القوى السورية المختلفة، بما يضع حداً لسنوات من القطيعة والتجاذب. فحين تلتقي الأطراف السورية على قاعدة مشتركة، حتى لو في ملف إنساني، فإن ذلك يعكس استعداداً مبدئياً للانخراط في مشروع وطني أشمل يُعيد الاعتبار للقرار السوري المستقل.
إن القبة الوطنية السورية تؤكد أن مثل هذا التنسيق لا ينبغي أن يُقرأ كترتيب مؤقت أو تفاهم وظيفي محصور بالضرورات، بل كخطوة على طريق بناء منظومة وطنية متكاملة، تبدأ بتبادل المعلومات، وقد تتطوّر إلى تشارك فعلي في القرار في إطار دولة سورية واحدة، مدنية، متعددة المكونات، تقوم على المساواة في الحقوق والواجبات.
كما ترى القبة أن بناء الثقة لا يُصنع في غرف التفاوض فقط، بل في الميدان، من خلال خطوات ملموسة تلامس حياة السوريين وتستعيد ثقتهم بالمؤسسات، وتُعلي من شأن المصلحة العامة فوق الاعتبارات الفئوية أو الأيديولوجية.
إن التطورات الأخيرة تفتح الباب واسعاً أمام إطلاق نقاش وطني جاد حول عقد اجتماعي جديد يؤسس لعلاقة متوازنة بين الدولة والمجتمع، على أسس واضحة أبرزها:
ترسيخ مبدأ المواطنة المتساوية، بعيداً عن التقسيمات الديموغرافية والهويات الفرعية.
الاعتراف بـ التنوع الثقافي والسياسي كرافد للهوية السورية الجامعة، لا كعامل انقسام.
إعادة توزيع السلطات.
السير نحو دمج تدريجي للقوى المدنية والأمنية ضمن جهاز الدولة وفق معايير مهنية جامعة.
توصيات عملية لمأسسة الحوار الوطني
استناداً إلى هذا التحول الإيجابي، تدعو القبة الوطنية السورية إلى:
توسيع آليات التنسيق الإنساني بين الحكومة والإدارة الذاتية، لتشمل جميع المناطق والمخيمات المتأزمة.
تشكيل لجنة وطنية مستقلة تُشرف على ملف النزوح والعودة الآمنة، تضم شخصيات مهنية محايدة وممثلين عن المجتمع المدني.
إدراج برامج للتثقيف المدني والمواطنة الواعية في مختلف المناطق، لتعزيز ثقافة الشراكة الوطنية.
فتح قنوات تنسيق منهجية بين المكونات العسكرية والأمنية، تمهيداً لتوحيد البنية السيادية للدولة.
إن ما جرى في مخيم الهول، بقدر ما هو إنجاز إنساني، فهو يحمل في طياته دلالة رمزية وسياسية كبرى: إمكانية العبور من حالة الاستقطاب إلى حالة التلاقي، ومن منطق الغلبة إلى منطق الشراكة. وإذا ما أُنجز إخراج العائلات الأربعين بسلام وكرامة، فإن ذلك سيكون بمثابة خروج رمزي لكل السوريين من دائرة التنافر والتهميش.
الختام:
تؤمن القبة الوطنية السورية أن مستقبل سورية لا يُبنى بالخطابات المؤدلجة أو الانتصارات الموهومة، بل عبر الاعتراف المتبادل والمشاركة الحقيقية بين أبنائها. فسورية وطن واحد، وإن تنوّعت رواياته، وشعب واحد، وإن تباينت مكوناته.
الدولة التي تنفتح على شعبها، وتحترم تنوعه، وتُشركه في صناعة القرار، هي وحدها الدولة القادرة على الصمود والبناء.