في تصعيد خطير وغير مسبوق منذ أشهر، شنّ الاحتلال الإسرائيلي غارات جوية مكثفة استهدفت مبنى رئاسة هيئة الأركان في العاصمة السورية دمشق، تلتها ضربات متلاحقة بالصواريخ على محافظة السويداء، ما أسفر عن استشهاد ثلاثة مدنيين وإصابة العشرات، وفق ما وثّقته تقارير إعلامية وحقوقية، وسط صمت دولي مريب لا يليق بحجم الجريمة.
لكن ما يجعل هذا العدوان مختلفاً هذه المرة ليس فقط في عدد الغارات أو دقة أهدافها، بل في توقيته ودلالاته السياسية والأمنية، خاصة في ضوء التطورات الأخيرة في محافظة السويداء، حيث اندلعت احتجاجات واشتباكات بين قوات الأمن وبعض الفعاليات المحلية.
ذريعة كاذبة: “حماية الدروز”
المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، لم يتردد في الإعلان أن هذا القصف يحمل “رسالة موجهة إلى الشرع بشأن أحداث السويداء”، زاعمًا أن “إسرائيل لن تتخلى عن الدروز في سوريا”، في سابقة خطيرة تعبّر عن انحدار غير مسبوق في شكل التدخل الخارجي بالشأن السوري.
لقد حاول الاحتلال، مرة أخرى، أن يوظّف خلافاً داخلياً سورياً ليبرّر انتهاكه الفاضح للسيادة السورية، في إطار خطاب دعائي مكشوف يستغل الطائفة الدرزية – العزيزة على قلوب السوريين جميعاً – كورقة ضغط وذرائع تبرّر العدوان.
لم يكن القصف الجوي سوى وجه من وجوه العدوان. فقد رافقته حملة إعلامية محمومة وتصريحات سياسية تهدف إلى إحداث شرخ بين أبناء الشعب السوري، وإعطاء الانطباع بأن هناك طائفة سورية يتم حمايتها من “الجيش السوري”، في مفارقة تضليلية مكشوفة.
تحدث الإعلام الإسرائيلي عن “التزام عميق تجاه إخواننا الدروز”، وهدّد وزير دفاع الاحتلال بمواصلة مهاجمة القوات السورية حتى “الانسحاب من المنطقة”، بينما تحدّثت التقارير عن دخول عناصر من الشرطة الإسرائيلية الأراضي السورية لإعادة دروز عبروا الحدود، في خطوة تعكس مدى استباحة السيادة السورية دون أي رادع.
على الرغم من الإدانة التي صدرت عن عدد من الدول العربية والغربية، بما في ذلك الأمم المتحدة ومجلس التعاون الخليجي وتركيا، فإن مستوى الرد لم يرقَ إلى خطورة الموقف، في ظل انهيار أمني وإنساني متزايد في السويداء، حيث قُتل ما لا يقل عن 169 شخصاً منذ أيام، بينهم مدنيون وأطفال ونساء.
الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، أعرب عن “قلقه البالغ”، لكنه لم يُطالب بمحاسبة الاحتلال، فيما اكتفى المبعوث الأميركي إلى سوريا بالدعوة إلى وقف إطلاق النار. وكأن أرواح السوريين تُحسب بلغة المصالح لا المبادئ.
موقف القبة الوطنية السورية
في هذا السياق، أصدرت القبة الوطنية السورية بياناً حازماً دانت فيه العدوان الإسرائيلي السافر، مؤكدة أن ما يجري هو محاولة خطيرة لتوظيف معاناة السويداء سياسياً وعسكرياً، ومحاولة تفتيت النسيج السوري، وزرع الفتنة بين مكوّناته، تحت ذرائع “الحماية” و”الدعم”.
وأكدت القبة في بيانها أن ما تحتاجه السويداء ليس تدخلات خارجية، بل حلاً وطنياً سورياً يضمن كرامة الجميع، في ظل دولة مدنية ديمقراطية تحمي كل مواطنيها دون تمييز، وتضع حداً لحالة الفوضى والاستغلال التي يستفيد منها أعداء سوريا في الخارج والداخل على السواء.

العدوان الإسرائيلي الأخير، بكل ما يحمله من دلالات عسكرية وسياسية، يعكس حجم الاستباحة التي تتعرض لها الأراضي السورية في ظل غياب الردع، واستمرار الانقسام الداخلي، وتعدد الوصايات الخارجية على القرار السوري.
لكن المؤكد أن الشعب السوري – رغم كل ما عاناه – لا يزال يملك في داخله قوة الصمود، وأن اللحظة التي يُستعاد فيها القرار الوطني المستقل باتت ضرورة لا يمكن تأجيلها، لمواجهة الاحتلال والعدوان، ولمعالجة المأساة السورية من جذورها.
الخاتمة
إن ما حدث في دمشق والسويداء ليس مجرد حادث أمني عابر، بل اختبار حقيقي لوحدة السوريين، ولمدى قدرة القوى الوطنية على فرض خطاب جامع يتجاوز الطوائف والانقسامات. وإذا كان العدو يسعى إلى تفريقنا، فإن الرد الأجدى هو في إعادة بناء مشروع وطني شامل، على أسس القانون والمواطنة والعدالة، وهذا ما تؤمن به القبة الوطنية السورية وتسعى إليه.