في مشهد دراماتيكي فجر الجمعة، وجّهت إسرائيل ضربة عسكرية غير مسبوقة إلى العمق الإيراني، لتفتح صفحة جديدة في صراع إقليمي طويل الأمد، وتثير تساؤلات عميقة حول التوقيت، الأهداف، وردود الفعل المحتملة.
نفذت إسرائيل سلسلة هجمات جوية دقيقة استهدفت منشآت نووية ومواقع استراتيجية بالغة الحساسية داخل إيران، وفي مقدمتها منشأة “نطنز“، القلب التقني للبرنامج النووي الإيراني، إلى جانب اغتيال قيادات بارزة في الحرس الثوري وعلماء في المجال النووي. العملية التي أُطلق عليها اسم “الأسد الصاعق“، لم تكن مجرد غارة جوية، بل بدت كمخطط متكامل ومتعدد الأذرع، اشترك فيه جهاز الموساد عبر تنفيذ ثلاث عمليات نوعية بالتزامن مع القصف.
تهدف الضربة إلى ضرب البنية التحتية الحساسة لإيران من الداخل، وزعزعة ثقة النظام بقدراته الدفاعية، وذلك عبر اختراق استخباراتي غير مسبوق. كما حملت العملية طابعًا نفسيًا واستراتيجيًا، يهدف إلى إظهار مدى هشاشة العمق الأمني الإيراني.
خطة تضليل مدروسة وغطاء تفاهمات خفية
جاء عنصر المفاجأة تتويجاً لخطة تضليل استخباراتية اعتمدت على ترويج تسريبات عن خلافات إسرائيلية-أميركية وتصريحات علنية تنفي نية التصعيد، بينما كانت طهران منشغلة بالمفاوضات النووية مع واشنطن. هذا الشعور الزائف بالأمان سمح لإسرائيل بضربتها الخاطفة والموجعة.
ورغم النفي الأميركي الرسمي، تؤكد تحليلات متقاطعة وجود دعم استخباراتي ولوجستي أميركي غير مباشر، في إطار تفاهم ضمني بين واشنطن وتل أبيب لتحجيم إيران دون الانزلاق إلى مواجهة مباشرة، وهو ما يعكس تغيراً في قواعد الاشتباك وتكتيكات الضغط.
توقيت حساس ودوافع إسرائيلية داخلية
بحسب الباحث في الشأن الإسرائيلي أنطوان شلحت، فإن التوقيت لم يكن اعتباطياً، بل ارتبط بجملة من الضغوط الداخلية التي تعاني منها حكومة نتنياهو، أبرزها الفشل العسكري في غزة، وتصاعد الاحتجاجات الشعبية، وتزايد الضغط الدولي، خاصة بعد مذكرات التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية بحق رئيس الوزراء.
ويضيف شلحت أن هذه العملية أتاحت لنتنياهو فرصة لتغيير المشهد الداخلي وتعزيز مكانته السياسية، كما أنها استهدفت قلب النظام الإيراني، ليس فقط عسكرياً، بل أيضاً قيادياً ومعنوياً، عبر اغتيال شخصيات مؤثرة في النظام وفي البرنامج النووي.
رد إيران.. اختبار مفصلي
تقف إيران اليوم عند مفترق طرق خطير. فحجم الضربة وخسائرها تدفع نحو رد قوي، لكن أي تصعيد مباشر قد يفتح الباب أمام مواجهة شاملة مع إسرائيل وربما الولايات المتحدة، وهو ما قد يؤدي إلى نتائج كارثية على الداخل الإيراني، سياسياً واقتصادياً.
ويرى محللون أن رداً محدوداً سيكون بمثابة اعتراف ضمني بنجاح إسرائيل في تحقيق أهدافها، بينما قد يفضي رد قوي إلى إشعال المنطقة برمتها، لا سيما في ظل تعقيد المشهد الإقليمي المرتبط بالمفاوضات النووية المتعثرة.
أهداف تتجاوز البعد العسكري
المحلل السياسي طه إغبارية يرى أن الضربة لم تكن مفاجئة تماماً، بل سبقها تمهيد إعلامي وتصريحات متكررة من الجانب الإسرائيلي. ويؤكد أن التنسيق مع الولايات المتحدة كان حاضرًا، حتى وإن لم يكن بشكل علني، لأن واشنطن تستفيد سياسياً من توجيه ضربة كهذه لإيران، في سياق الضغط التفاوضي.
ويرجح أن نتنياهو استغل هذه العملية لتثبيت أوراقه السياسية الداخلية، وسط أزمات متصاعدة، بينما تتجه الأنظار إلى شكل الرد الإيراني، الذي سيتحدد بناءً عليه مستقبل التوازنات في المنطقة.
تحولات محتملة في توازن القوى الإقليمي
العملية قد لا تكون مجرد حلقة في سلسلة الصراع التقليدي، بل لحظة فارقة قد تعيد رسم التوازنات الإقليمية. فإسرائيل أظهرت قدرة غير مسبوقة على اختراق العمق الإيراني، مما يبعث برسالة صارخة إلى كافة اللاعبين الإقليميين والدوليين بأن معادلات الردع القديمة قد انتهت.
وبذلك، فإن شكل رد طهران لن يحدد فقط المسار العسكري المقبل، بل مستقبل علاقاتها الدولية ومكانتها الإقليمية، في وقت تخوض فيه معركة بقاء داخلية متأرجحة ما بين الضغوط الشعبية والعقوبات الدولية.
خاتمة
الضربة الإسرائيلية لإيران لم تكن حدثاً معزولاً، بل محطة مفصلية في مسار صراع يتخذ طابعاً معقداً تتداخل فيه الأبعاد العسكرية والسياسية والاستخباراتية. وبينما يترقب العالم رد الفعل الإيراني، تتجه الأنظار إلى مستقبل الشرق الأوسط الذي يقف على شفا تصعيد خطير، قد يعيد رسم معادلات الردع والنفوذ في المنطقة لعقود قادمة.