في أحد أيام الربيع، حين كانت الأرض تتفتح بالأمل، خرج صوت طفل سوري صغير يكتب على جدار مدرسته: “إجاك الدور يا دكتور“. لم يكن يعلم حينها أن تلك الكلمات البريئة ستشعل ثورة عظيمة، ثورة لا تشبه إلا قلوب من أشعلوها.
كانت الثورة السورية المباركة، وما زالت، أغنية الحرية التي أنشدها المظلومون في وجه الجلاد، صرخة كرامة أطلقتها حناجر الشباب، وأمنية وطن تاقت لها قلوب الأمهات، ودمعة أبٍ يرى أبناءه يحملون الحلم على أكتافهم رغم الرصاص والموت والخذلان.
مرت السنوات، وكل عام كان يحمل وجعاً جديداً، وقصة تضحية تروى، ولكن أيضاً كان يحمل في جوفه شرارة لا تنطفئ. قالوا إن الثورة خمدت، وإنها انكسرت، وإن العالم نسيها… لكنهم لم يروا العيون التي ما زالت تلمع بالأمل، ولم يسمعوا الأناشيد التي تُهمس في أزقة المخيمات، ولم يشعروا بالقلب السوري الذي ما زال ينبض بالحلم، رغم كل شيء.
في كل طفل وُلد تحت الخيمة، وفي كل أم هجّرتها البراميل، وفي كل مقاتل جريح، وفي كل طالبٍ تابع دراسته في الغربة رغم الفقر، كانت الثورة حيّة، تنتظر لحظة الانتصار، تنتظر ذلك الفجر الذي لا بد أن يجيء.
النصر الحقيقي ليس فقط بسقوط الطاغية، بل بانتصار الفكرة، بقدرة شعب على النهوض بعد كل ما مر به. هل هناك نصر أبلغ من أن ترى شعباً محاصراً يصنع الخبز من الرماد؟ هل هناك شجاعة أعظم من أمٍّ تزغرد يوم استشهاد ابنها، وتقول: “ما دام فينا نفس، سنكمل”؟
إن الثورة السورية انتصرت في روحها، لأنها علمتنا أن الكرامة لا تُشترى، وأن الظلم زائل، مهما طال. انتصرت لأنها صنعت جيلاً جديداً لا يعرف الخنوع، جيلاً لا يقبل أن يعيش بلا حرية.
8-12-2024: فجر الأحد تاريخ تحرير سوريا الذي غيّر وجه سوريا
وفي فجر يوم الأحد، الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024، توقفت عقارب الزمن لحظة، وأعلنت المعارضة السورية بياناً تاريخياً جاء فيه:
“نزفّ إلى شعبنا العظيم نبأ تحرير كامل التراب السوري من قبضة نظام بشار الأسد، بعد نضالٍ بطوليٍّ دام أكثر من ثلاثة عشر عاماً. لقد فرّ الطاغية إلى جهة مجهولة، وها هي شمس سوريا الحرة تشرق من جديد.”
اندفعت الجماهير إلى الساحات، من إدلب إلى أعزاز، ومن درعا إلى ريف دمشق، وصولًا إلى دير الزور. تعانقت الدموع، ورُفعت أعلام الثورة التي بقيت خفّاقة رغم كل الرياح.
توقفت البنادق، وتقدمت الورود. توقفت المدافع، وعلت تكبيرات الأمهات من شرفات البيوت. وعاد صوت الطفولة إلى أحياء كانت تعرف فقط صوت الطائرات.
كان ذلك اليوم هو يوم النصر السوري. يوم الحرية… يوم الحياة .. يوم انتصا الثورة السورية.
الغد لنا
الآن، وبعد أن كتبت الثورة آخر فصولها بالكرامة والعزّة، يبدأ فصل جديد من البناء.
فصل يخطّه اللاجئون العائدون، والأمهات الصابرات، والأبناء الذين نشأوا في الخيام وها هم يصنعون دولة الحلم.
دولة العدل، والمساواة، والحرية.
لن تُنسى التضحيات، ولن تُمحى الذاكرة. فكل شهيد، كل معتقل، كل أم ثكلى، وكل طفل مشرّد، هم منارات هذا الانتصار العظيم.
ختاماً:
الثورة السورية ليست حدثاً في الماضي، بل روح تسكن في كل سوري حر. وستبقى تلك الشعلة المباركة تنير الطريق حتى يُكتب على بوابات الوطن:
“هنا سقط الاستبداد… وهنا وُلدت سوريا الجديدة.”
نعم، لقد انتصرنا… في الثامن من ديسمبر 2024، كتب الشعب السوري فجره بيده.