مقدمة:
على مدار أكثر من عقد، لعبت روسيا دوراً محورياً في المشهد السوري، حيث دعمت نظام بشار الأسد سياسياً وعسكرياً. ومع سقوط النظام وتغير موازين القوى في دمشق، تجد موسكو نفسها أمام معادلة جديدة تستوجب إعادة صياغة استراتيجياتها للحفاظ على مصالحها في المنطقة. فهل تتمكن روسيا من تحقيق هذا الهدف دون تكبد خسائر دبلوماسية كبيرة؟ أم أن التحولات السياسية ستجبرها على تقليص وجودها العسكري؟
موسكو وتثبيت نفوذها في سوريا:
تسعى روسيا إلى الحفاظ على وجود عسكري محدود في سوريا، محققة بذلك هدفاً استراتيجياً طويل الأمد، حتى مع سقوط نظام بشار الأسد. وتأتي هذه الخطوة في إطار محاولات موسكو لضمان استمرار نفوذها الإقليمي عبر الاحتفاظ بقواعدها العسكرية في البلاد، لا سيما قاعدة طرطوس البحرية وقاعدة حميميم الجوية.
اتفاق مرتقب مع الحكومة السورية الجديدة:
وفقاً لمصادر مطلعة، باتت روسيا قريبة من التوصل إلى اتفاق مع القيادة السورية الجديدة يسمح لها بالإبقاء على بعض الموظفين والمعدات العسكرية. وتشير هذه التحركات إلى سعي موسكو للحفاظ على موقعها كقوة فاعلة في المنطقة، رغم التغيرات السياسية الحاصلة في دمشق.
التقارب الروسي السوري بعد الإطاحة بالأسد:
تعكس المحادثات الأخيرة بين الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع ونظيره الروسي فلاديمير بوتين تقارباً متزايداً بين الطرفين. وعلى الرغم من عدم وجود ضمانات بالتوصل إلى اتفاق نهائي، إلا أن هذا التواصل يعكس حرص روسيا على إعادة صياغة علاقتها مع دمشق بطريقة تحافظ على مصالحها العسكرية والاستراتيجية.
التحديات الأوروبية والمخاوف الإقليمية:
في ظل الضغوط الأوروبية لسحب القوات الروسية من سوريا، تخشى بعض الدول، خاصة في جنوبي أوروبا، من أن يؤدي هذا الانسحاب إلى إعادة توجيه موسكو تركيزها نحو مناطق أخرى مثل ليبيا، مما قد يؤثر سلباً على استقرار المنطقة. كما أن استمرار الوجود العسكري الروسي في سوريا يواجه تحديات دبلوماسية مع الغرب، الذي يضغط باتجاه تقليص النفوذ الروسي في الشرق الأوسط.
روسيا ودورها في محاربة التنظيمات المسلحة:
إلى جانب المصالح الاستراتيجية، قد تلعب روسيا دوراً رئيسياً في محاربة تنظيم داعش، الذي لا يزال ينشط في شرقي سوريا. ويُتوقع أن تقدم موسكو دعماً عسكرياً ولوجستياً للحكومة السورية الجديدة، مما يعزز من موقعها كشريك أساسي في مكافحة الإرهاب في المنطقة.
المفاوضات الروسية السورية: بين الدعم الاقتصادي والمصالح العسكرية:
شهدت المحادثات بين موسكو ودمشق حول مستقبل القواعد العسكرية الروسية بعض العقبات في الأشهر الماضية، ما دفع الكرملين إلى تقديم عروض لدعم إعادة الإعمار في سوريا. وأكد بوتين خلال مكالمته الأخيرة مع أحمد الشرع استعداد روسيا لتقديم مساعدات اقتصادية وإنعاش الاقتصاد السوري، في خطوة تهدف إلى توثيق العلاقة بين الطرفين وضمان استمرار التواجد الروسي في البلاد.
الوجود الروسي: مكسب استراتيجي أم عبء دبلوماسي؟
يمثل الاحتفاظ بقاعدتي طرطوس وحميميم عنصراً أساسياً في الاستراتيجية الروسية لتعزيز نفوذها في الشرق الأوسط وإفريقيا. ومع ذلك، فإن استمرار التواجد العسكري الروسي في سوريا يضع موسكو أمام تحديات سياسية ودبلوماسية كبيرة، لا سيما مع تزايد الضغوط الغربية والإقليمية. وفي ظل هذه المعطيات، يبقى السؤال المطروح: هل تنجح روسيا في تحقيق توازن بين مصالحها العسكرية والضغوط الدولية المتزايدة؟
خاتمة:
يبقى الوجود العسكري الروسي في سوريا معادلة حساسة بين الحفاظ على المصالح الاستراتيجية لموسكو وبين الضغوط الدولية المتزايدة. حيث تسعى روسيا للحفاظ على قواعدها العسكرية وتعزيز نفوذها الإقليمي، تواجه تحديات دبلوماسية قد تجبرها على إعادة النظر في سياساتها. ومع استمرار التحولات السياسية في دمشق، ستظل العلاقة بين روسيا وسوريا محكومة بالمصالح المشتركة، في ظل توازن دقيق بين المكاسب العسكرية والضغوط الجيوسياسية. الأيام القادمة وحدها كفيلة بتحديد ما إذا كانت موسكو ستتمكن من الحفاظ على موطئ قدمها في سوريا دون تكبد خسائر دبلوماسية باهظة.