سجن صيدنايا، الواقع في ريف دمشق بالقرب من دير صيدنايا، يعد واحداً من أكثر السجون العسكرية تحصيناً في سوريا وأشهرها سمعةً سيئة. اكتسب السجن ألقاباً مثل “المسلخ البشري” و”السجن الأحمر“، وهي انعكاس للانتهاكات الدموية والتعذيب الذي تعرض له السجناء داخله. خلال عام 2024، شكل اقتحام قوات المعارضة لهذا السجن وتحرير المعتقلين منه علامة فارقة في تاريخ الصراع السوري.
موقع السجن وتصميمه
يقع سجن صيدنايا على بعد 30 كيلومتراً شمال دمشق، وتم بناؤه عام 1987. ينقسم إلى جزأين رئيسيين:
المبنى الأحمر: مخصص للمعتقلين السياسيين والمدنيين.
المبنى الأبيض: مخصص للسجناء العسكريين.
يتكون السجن من ثلاثة مبانٍ كبيرة تلتقي في نقطة تُعرف باسم “المسدس”، مما يجعل تصميمه فريداً وصعب الاختراق. يحتوي كل مبنى على ثلاثة طوابق، ولكل طابق جناحان يضمان 20 مهجعاً جماعياً مصمماً لاستيعاب أعداد كبيرة من السجناء في ظروف قاسية.
التحصين والإجراءات الأمنية
يتمتع سجن صيدنايا بنظام أمني شديد التعقيد يتكون من ثلاث مستويات:
الشرطة العسكرية: تشكل خط الدفاع الأول وتحمي الجدران الخارجية.
اللواء 21: يتولى إدارة الجزء الداخلي من السجن.
الوحدات الخاصة: تتخصص في مراقبة الاتصالات ومنع أي محاولات للفرار.
يحيط بالسجن حقلا ألغام مضادان للأفراد والدبابات، بالإضافة إلى حراسات مشددة تعمل على مدار الساعة.
المعتقلون: تنوع وضحايا السياسة
ضم السجن على مر السنوات آلاف المعتقلين من خلفيات سياسية ودينية مختلفة، من بينهم:
أعضاء جماعات مثل الإخوان المسلمين وحزب التحرير.
فلسطينيون ولبنانيون معارضون للنظام السوري.
معتقلون إسلاميون، ومن بينهم أفراد من تنظيم القاعدة وجماعات “السلفية الجهادية”.
مع مرور الوقت، تحول السجن إلى مركز رئيسي لاحتجاز “الجهاديين” وأولئك الذين عادوا من ساحات القتال في العراق.
جرائم وانتهاكات موثقة
وفقاً لمنظمة العفو الدولية، يُعد سجن صيدنايا رمزاً لانتهاكات حقوق الإنسان في سوريا، حيث نفذت فيه إعدامات جماعية وجرائم تعذيب مروعة. بين عامي 2011 و2015، أُعدم ما يقارب 13 ألف شخص شنقاً. كما استخدم السجانون وسائل تعذيب مبتكرة مثل:
بساط الريح: لوح قابل للطي يقيّد السجين ويُعرضه لتعذيب جسدي شديد.
غرف الملح: تُستخدم لتعذيب السجناء نفسياً وجسدياً، وتوضع فيها جثث المعتقلين للحفظ المؤقت.
إلى جانب ذلك، سجلت حالات اغتصاب وتحرش جنسي لكل من الرجال والنساء، بالإضافة إلى استخدام التجويع والعطش كأدوات للقمع.
تمرد 2008 الأول: اندلع نتيجة السياسات القمعية التي فرضها مدير السجن علي خير بيك. تزامن التمرد مع انعقاد قمة عربية، ما دفع النظام إلى التفاوض مع السجناء وإنهاء العصيان.
التمرد الثاني: تحول إلى أزمة استمرت لأشهر، حيث فرضت الدولة حصاراً شاملاً على السجن واستخدمت القوة المفرطة لإنهاء العصيان.
تحرير السجن في 2024
في 8 ديسمبر 2024، تمكنت قوات الثورة السورية من اقتحام السجن وتحرير جميع المعتقلين بعد دخولها العاصمة دمشق وإسقاط حكم بشار الأسد. مثّل تحرير سجن صيدنايا خطوة رمزية كبيرة في طريق إنهاء معاناة آلاف السجناء وإظهار حجم الجرائم المرتكبة بحقهم.
خاتمة
يظل سجن صيدنايا شاهداً حياً على معاناة المعتقلين السوريين في ظل نظام قمعي استخدم السجن كأداة لإسكات معارضيه وقمع شعبه. تحرير السجن كان بمثابة أمل جديد للضحايا وذويهم، لكنه يفتح الباب أمام تساؤلات حول العدالة والمحاسبة اللازمة لتعافي سوريا من إرث العنف والانتهاكات.