مقدمة:
شهدت الأيام القليلة الماضية تحولات كبيرة ومهمة في المشهد العسكري شمال سوريا، حيث تمكنت فصائل المعارضة السورية ضمن معركة “ردع العدوان” من تحقيق مكاسب ميدانية واسعة شملت السيطرة الكاملة على مدينة حلب وأريافها، إضافة إلى تحرير محافظة إدلب وأريافها بالكامل، والتقدم نحو مدينة حماة محرزَةً انتصارات نوعية في مناطق استراتيجية مثل جبل زين العابدين، صوران، ومدرسة المجنزرات، وصولًا إلى مشارف مدينة حماة. هذه الإنجازات لم تكن مجرد تقدم عسكري عابر، بل شكلت نقطة تحول استراتيجية في مسار الثورة السورية، معيدةً رسم خارطة السيطرة في سوريا على الأرض.
في هذه العمليات، أظهرت فصائل المعارضة قدرة عالية على التنسيق والتخطيط، واستفادت من الدعم اللوجستي والجوي المقدم من حلفائها الإقليميين. وبالتزامن مع ذلك، تبدو قوات النظام السوري وحلفاؤها في حالة ارتباك كبيرة، خاصة مع خسارة مواقع استراتيجية مثل خان العسل، الزربة، سراقب، وتلة العيس، بالإضافة إلى انسحاب بعض النقاط الروسية في ريف حلب الشمالي مثل تل رفعت ومطار منغ، مما يعكس عمق الأزمة التي يعيشها النظام وحلفاؤه على مختلف الأصعدة.
أبرز المناطق المحررة وأهميتها العسكرية:
- مدينة حلب وأريافها: السيطرة على حلب تعزز قدرة فصائل المعارضة على التحرك بحرية في الشمال السوري، كما تفتح المجال أمام عمليات عسكرية أوسع. المحافظة تُعتبر مركزاً اقتصادياً واستراتيجياً مهماً، وتحريرها يعني قطع خطوط الإمداد للنظام شمالاً.
- محافظة إدلب وأريافها: تحرير إدلب بالكامل يعزز من موقع المعارضة عسكرياً، حيث تُعد المحافظة نقطة انطلاق مهمة لأي عمليات لاحقة في ريف حماة أو الساحل السوري. كما أن السيطرة على عقد الطرق الدولية M4 وM5 تزيد من عزلة قوات النظام.
- جبل زين العابدين وصوران (ريف حماة): جبل زين العابدين يُعد من أهم المواقع الاستراتيجية جنوب مدينة حماة، حيث يوفر قدرة على الرصد الناري للمنطقة بأكملها. بينما تُعتبر صوران بوابة مهمة للتقدم نحو مركز المدينة.
- مدرسة المجنزرات (ريف حماة): موقع عسكري بارز، كان يمثل قاعدة تدريب مهمة للنظام، والسيطرة عليه تعني خسارة النظام أحد أهم مواقعه في المنطقة.
- القرى والبلدات في ريف حماة: في إطار المعركة الأخيرة، تمكنت الفصائل المسلحة من السيطرة على عدة مناطق استراتيجية في ريف حماة، ومنها قرى أبو لفة والمستريحة وبيوض وثروت الرهجان وسرحا الشمالية وسرحا الجنوبية، بالإضافة إلى تحرير بلدة معرشحور، التي تُعتبر موقعًا حيويًا على تخوم مدينة حماة. لاحقًا، تمكنت الفصائل من السيطرة على مدرسة المجنزرات واللواء 87 في المنطقة. كما شهدت بعض القرى مثل معردس قصفًا مكثفًا من النظام السوري، مما يعكس حالة التوتر الشديدة في هذه المنطقة.
دلالات السيطرة على هذه المناطق:
- تغيير جذري في موازين القوى: السيطرة الكاملة على حلب وإدلب والتقدم في حماة يضع النظام في موقف دفاعي ضعيف. فهذه الإنجازات تقطع خطوط الإمداد الرئيسية للنظام وتعزل قواته عن بعضها.
- انهيار النفوذ الإيراني والروسي: الانسحاب الروسي من بعض النقاط الحيوية مثل تل رفعت ومطار منغ، إلى جانب ضعف الميليشيات الإيرانية جنوب حلب، يكشف عن خلل في التنسيق بين حلفاء النظام ويضعف قدرتهم على دعم قوات الأسد.
- زخم عسكري متزايد للمعارضة: استحواذ الفصائل على معدات نوعية مثل دبابات T-90 يعزز من قدرتها على مواجهة النظام بشكل فعال، ويهيئها لعمليات جديدة في الجنوب السوري.
التداعيات المستقبلية:
- تعزيز موقف المعارضة سياسياً: هذه الانتصارات تمنح المعارضة أوراق ضغط مهمة في المحادثات الدولية. كما أنها تعيد تأكيد حضور الثورة السورية كلاعب قوي في المشهد الإقليمي.
- تصعيد العمليات العسكرية: الزخم الميداني الحالي يفتح المجال أمام تحرير مزيد من المناطق في ريف حماة والجنوب السوري. وقد تستهدف العمليات القادمة مراكز استراتيجية في حماة وريفها، وربما دمشق لاحقًا.
- إضعاف قبضة النظام: الخسائر المتلاحقة للنظام تجعله أمام خيارات محدودة، وقد تدفعه لتقديم تنازلات سياسية أو إعادة ترتيب أولوياته العسكرية.
ختاماً:
تحرير مدينة حلب وأريافها ومحافظة إدلب بالكامل يمثلان نقطة تحول تاريخية في مسار الثورة السورية، ويؤكدان إمكانية مواجهة النظام رغم الدعم الهائل الذي يتلقاه من حلفائه. المرحلة القادمة ستكون حاسمة، سواء على الصعيد العسكري أو السياسي، حيث أن المكاسب المحققة اليوم قد تساهم في رسم مستقبل جديد لسوريا الغد، قائم على الحرية والكرامة.
تعليقات 1