تشهد سوريا الحبيبة منذ عقد من الزمان نزوحاً متزايداً للملايين من أبنائها إلى مختلف أنحاء العالم، نتيجة للحرب والصراعات السياسية والاجتماعية والضغوط الاقتصادية المتزايدة. هذا الواقع الجديد فرض على السوريين في دول المغتربات او كما افضل وصفها بدول الشتات تحدياً كبيراً للحفاظ على الهوية الثقافية السورية في ظل مساعي المغتربين للاندماج في المجتمعات المضيفة لهم وانتشار مفاهيم جديدة بعدم العودة والانسلاخ الكامل من الأصل. إن الحفاظ على الهوية السورية في المغترب ليس مجرد مسألة ثقافية، بل هو أمر ضروري لضمان استمرارية التراث والروح السورية للأجيال القادمة التي ولدة وتربت في المغتربات.
في هذه السطور، سنناقش أبرز التحديات التي يواجهها السوريون في المغترب للحفاظ على هويتهم، وسنستعرض الحلول الممكنة لتعزيز انتماء الأجيال الجديدة لجذورها، وتوضيح أهمية تحقيق التوازن بين الانفتاح على المجتمعات الجديدة والاحتفاظ بروح الانتماء للوطن الأم سوريا الحبيبة.
أولاً: ما هي الهوية السورية؟
الهوية السورية: هي مزيجٌ فريد من التقاليد، واللغات، والعادات، والقيم الاجتماعية السورية، والتاريخ الذي تشكّل عبر آلاف السنين. تتكون هذه الهوية من ثقافات عدة، منها الفلكلور الشعبي، والمطبخ المتميز، واللهجة المحلية، والأعياد، والمناسبات الاجتماعية، يعيش السوريون مزيجاً غنياً من الخصائص الثقافية التي تجعلهم مجتمعاً مميزاً في العالم العربي والغربي باعتراف الكثير من الدول ومنها مصر حيث حقق السوريون نجاحات كثيرة في الصناعة والطب وجميع نواحي الاعمال وألمانيا وتركيا حقق السوريون نجاحات كثيرة.
ثانياً: أهمية الحفاظ على الهوية السورية
الحفاظ على الهوية السورية يضمن بقاء التراث الثقافي والشعور بالانتماء، ويشكل درعاً نفسياً واجتماعياً يعزز وحدة المجتمع السوري في الخارج. هذا الشعور بالهوية يمد المغتربين بالثقة ويمنحهم قاعدة قوية يستندون إليها في رحلتهم للاندماج دون أن يفقدوا جذور الانتماء الى سوريا.
- تعزيز الانتماء القومي: مع أن الظروف أجبرت السوريين على مغادرة وطنهم، إلا أن بقاء هويتهم يقوي الروابط بين المغتربين ويساعدهم في الحفاظ على شعورهم بوحدة الهدف والمصير المشترك. هذا الشعور يعزز دعمهم لبعضهم البعض ويخلق تماسكاً اجتماعياً يخفف من آثار الاغتراب.
- الحفاظ على التراث: كل مجتمع يمتلك إرثاً ثقافياً خاصاً به، وسوريا تمتلك إرثاً حضارة غنية تمتد إلى بابل وآشور والفينيقيين. الحفاظ على الهوية السورية يضمن بقاء هذا التراث ونقله من جيل لآخر، خاصة أن السوريين في المهجر قد يصبحون سفراء لتراثهم في المجتمعات المضيفة.
- ترسيخ القيم الثقافية: الهوية السورية لا تقتصر على التاريخ والمظاهر الخارجية، بل تشمل أيضاً قيماً أخلاقية واجتماعية، مثل الاحترام العائلي، والتكافل الاجتماعي، واحترام الكبير والصغير، وغيرها من القيم التي تشكل أساس الحياة الاجتماعية السورية. من خلال غرس هذه القيم في نفوس الأجيال الجديدة، يستطيع المغتربون المحافظة على نسيج مجتمعهم رغم التحديات.
- بناء جسور التفاهم الثقافي: الاندماج في المجتمعات الجديدة لا يعني الذوبان الكامل فيها. فالحفاظ على الهوية السورية يمكن أن يكون جسراً ثقافياً بين السوريين والمجتمعات المضيفة. من خلال تعريف الآخرين بثقافة سوريا وفنونها وتقاليدها، يمكن للسوريين أن يسهموا في إثراء المجتمع المضيف ويعملوا على تحقيق احترام متبادل وتفاهم أعمق.
ثالثاً: التحديات التي تواجه الهوية السورية في المغترب
رغم أهمية الحفاظ على الهوية السورية، إلا أن المغتربين يواجهون تحديات عديدة تهدد استمرارية هذه الهوية، منها:
- اندماج الأجيال الجديدة: غالباً ما تنشأ الأجيال الجديدة من السوريين في بيئات تختلف تماماً عن بيئة وطنهم، ما يجعلهم أكثر عرضة لفقدان لغتهم الأم وعاداتهم وتقاليدهم السورية. الانغماس في ثقافات جديدة ووجودهم بعيداً عن التواصل اليومي مع المجتمع السوري يشكل تحدياً حقيقياً.
- ضغوط التكيف مع المجتمعات المضيفة: يلجأ العديد من السوريين إلى التكيف مع المجتمعات المضيفة لكسب فرص العمل والتعليم، مما قد يؤدي أحياناً إلى التنازل عن بعض مظاهر هويتهم. الحفاظ على التوازن بين الاندماج والحفاظ على الهوية يشكل تحدياً كبيراً في حياة المغترب.
- الضغوط الاقتصادية والاجتماعية: تعيش معظم العائلات السورية المغتربة في ظروف اقتصادية صعبة، ما يجعل التركيز على متطلبات الحياة الأساسية أولوية، ويجعل الاستثمار في الثقافة والتراث أمراً ثانوياً بالنسبة لهم.
رابعاً: طرق للحفاظ على الهوية السورية في المغترب
رغم التحديات، هناك العديد من الطرق التي يمكن للسوريين في الخارج من خلالها الحفاظ على هويتهم:
- تعليم اللغة العربية: اللغة هي أساس الهوية. الحرص على تعليم اللغة العربية للأطفال وتعليمهم كتابة وقراءة هذه اللغة يساعدهم في الحفاظ على ترابطهم مع ثقافتهم الأصلية ويمنع فقدان جزء كبير من هويتهم.
- الاحتفال بالمناسبات السورية: يمكن للمغتربين تنظيم فعاليات ثقافية واحتفالات بالأعياد والمناسبات السورية الخاصة، مثل عيد الفطر، وعيد الأضحى، وعيد الثورة المباركة والاعياد الوطنية السورية بعيدا عن مفاهيم نظام الأسد، لتعزيز الروابط الاجتماعية وغرس روح الانتماء.
- تعليم التراث والفلكلور السوري: تشجيع الأبناء على معرفة وتعلم الفلكلور السوري من أغاني شعبية، وأهازيج، ورقصات تراثية يساهم في تعريفهم بتراثهم، ويساعدهم في التمسك بهويتهم السورية.
- إنشاء النوادي الثقافية: يمكن للمغتربين السوريين إنشاء نوادي ثقافية وجمعيات تضم أنشطة تهتم بالفنون السورية، والموسيقى، والأدب، وتعرض تاريخ سوريا وتعلم الأجيال التي ولدة في المغترب بأدباء وفنانين سورية الحقيقيين، بحيث تشكل هذه الجمعيات نقطة تواصل بين أبناء الجالية السورية لتجمع بين جميع ثقافات سورية.
- الاستفادة من الإعلام الرقمي: في عصر التكنولوجيا، يمكن نشر الثقافة السورية على نطاق واسع من خلال وسائل التواصل الاجتماعي. إنتاج المحتوى الرقمي من مقاطع فيديو عن المطبخ السوري أو برامج عن التاريخ السوري يمكن أن يكون وسيلة فعالة لتعريف الأجيال الجديدة والأجانب بسوريا وثقافتها.
خامساً: مسؤولية المغتربين في بناء مستقبل سوريا
إن الحفاظ على الهوية السورية ليس مجرد مسؤولية تجاه الماضي، بل هو التزام نحو المستقبل. فالسوريون في المغترب يمكن أن يلعبوا دوراً أساسياً في إعادة بناء سوريا، ونقل ما تعلموه في الخارج إلى وطنهم عندما تتاح لهم الفرصة. الأجيال السورية القادمة، المتشبعة بالهوية والتجربة التي يحملها المغتربون، ستكون حاضرة وقادرة على قيادة سوريا نحو مستقبل أفضل، مبني على السلام والديمقراطية والحرية.
“نود أن نوضح أن هذه المقالة لا تهدف بأي شكل من الأشكال إلى التشجيع على مخالفة قوانين الدول المضيفة أو تقويض سياساتها الاجتماعية والثقافية؛ بل هي دعوة للحفاظ على الهوية الثقافية السورية بأسلوب يتماشى مع احترام القوانين المحلية، والاندماج الإيجابي في المجتمعات الجديدة. إن الحفاظ على التراث والهوية يجب أن يتم بروح من الانفتاح، وبما يعزز التفاهم المتبادل بين الثقافات.”
الخاتمة
إن الحفاظ على الهوية السورية في المغترب هو مسؤولية جماعية تتطلب جهوداً من الأفراد والمجتمعات على حد سواء. فهي ليست مسألة ارتباط بالوطن فقط، بل هي بناء جسر ثقافي نحو المستقبل وتوريث للأجيال القادمة. فكلما تمسك السوريون بتراثهم وقيمهم في الخارج، ظلوا أقوى وأكثر ترابطاً، وبقيت سوريا حاضرةً في قلوبهم أينما كانوا.