لقد كان حزب الله لفترة طويلة يشكل قوة أساسية في الصراعات الإقليمية، خاصة في سوريا ولبنان، حيث لعب دوراً رئيسياً في دعم العصابة الحاكمة في سورية، مدعوماً من إيران. ومع ذلك، لم يكن الحزب بمنأى عن العدالة الإلهية نتيجة جرائمه بحق الشعب السوري. ولعل الضربة التي تلقاها مؤخراً عبر تفجيرات أجهزة البيجر كانت واحدة من أعنف الضربات التي تعرض لها، لتشكل تحولاً استراتيجياً كبيراً في مسار الحزب، وتجبره على مواجهة مجموعة جديدة من التحديات التي تهدد وجوده ونفوذه في المنطقة.
تفجيرات البيجر من اقوى العمليات التي نفذتها إسرائيل، وكانت تهدف إلى شلّ قدرة حزب الله على التواصل، خاصة في ظل اعتماده الكبير على أجهزة البيجر في الاتصالات الميدانية للصف الأول والثاني. فقد امتد الهجوم ليضرب عناصر الحزب في لبنان وسوريا على حد سواء، مما أدى إلى مقتل وإصابة الآلاف، فضلاً عن الخسائر الهائلة في منظومة الاتصالات الخاصة بالحزب.
الأجهزة المستخدمة في الهجوم كانت موجهة بشكل دقيق، إذ أن “تفجيرات البيجر” استهدفت اللحظة التي يقوم فيها العناصر بفتح الرسائل المستلمة عبر البيجر، حيث كانت الأضرار الكبيرة في العيون هي السمة البارزة للإصابات. ونتيجة لذلك، اضطر العديد من المصابين للخضوع لجراحات لاستئصال العيون، ما ترك أثراً جسدياً ونفسياً دائماً سيظل يرافق هؤلاء المصابين مدى الحياة.
استعمال أجهزة البيجر كسلاح فعال ومؤلم لم يكن مجرد ضربة لوجستية فقط، بل كان هجوماً تجاوز حدود كل الإجراءات الأمنية عالية المستوى التي يعتمد عليها حزب الله للتواصل بين عناصره وتنظيم عملياته. والآن، بعد هذا الهجوم، يجد الحزب نفسه عاجزاً تماماً عن استخدام وسائل الاتصال التي كانت تعتبر في الماضي آمنة وموثوقة. هذا الشلل التام في البنية التحتية للاتصالات تسبب في إرباك شديد داخل الحزب، حيث فقد قادته القدرة على التنسيق الفوري بين العناصر، خاصة في المناطق الحساسة وفي وقتاً شديد الحساسية بمآلاته.
بعد هذه الضربة، أصبح حزب الله عند مفترق طرق استراتيجي، حيث فقد ثقته في جميع أجهزة الاتصالات التي كان يعتمد عليها. ويجد نفسه الآن أمام تحدٍ غير مسبوق في البحث عن وسائل جديدة للتواصل وتأمين قنوات اتصالية تضمن له استمرارية العمليات دون أن تكون عرضة للاستهداف من قبل إسرائيل أو أي جهة أخرى. لكن هذا البحث ليس بالمهمة السهلة، إذ أن البدائل قد تكون مكلفة أو غير متاحة بسهولة، وهو ما يعزز من هشاشة الحزب في هذه المرحلة.
التأثير على القوة البشرية
لم تكن الخسائر التي تكبدها حزب الله تقتصر على فقدان قدراته في التواصل، بل شملت أيضاً خسائر بشرية فادحة. فقد أشارت التقارير الطبية إلى أن عدداً كبيراً من عناصر الحزب تعرضوا لإصابات خطيرة في العينين، بالإضافة إلى بتر أجزاء من الأيدي والأرجل والإصابات في الوجه والبطن. هذه الإصابات الجسدية لم تكن مجرد آثار مؤقتة؛ بل إنها ستبقى شاهدة دائمة على انتماء هؤلاء العناصر للحزب وتعرضهم لتفجيرات البيجر.
الأطباء الذين تعاملوا مع المصابين أكدوا أن الآثار النفسية لهذه الإصابات ستكون عميقة، إذ أن هؤلاء الأفراد سيعانون من إعاقات دائمة تمنعهم من العودة إلى صفوف القتال أو المشاركة الفعالة في العمليات الميدانية. وبالنظر إلى أن هذه الإصابات شملت الآلاف من العناصر، فإن حزب الله يواجه الآن نقصاً حاداً في القوة البشرية القادرة على القتال، وهو ما سيؤثر بشكل كبير على قدرته على الاستمرار في تنفيذ عملياته العسكرية بنفس الكفاءة التي كان يتمتع بها سابقاً.
التداعيات الاستراتيجية:
- مع انهيار البنيه التحتية للاتصالات، وفقدانه لعدد كبير من عناصره، وإصابة آلاف آخرين بإعاقات دائمة، يقف حزب الله الآن في مواجهة تحديات وجودية لم يسبق لها مثيل. هذه التفجيرات قد تؤدي إلى إضعاف مكانة الحزب في المنطقة، وربما تفتح المجال أمام خصومه لاستغلال هذا الضعف لتحقيق مكاسب سياسية وعسكرية.
- على المستوى الاستراتيجي، يجد حزب الله نفسه مجبراً على إعادة النظر في تكتيكاته وخططه العملياتية، كي لا يخسر الحاضنة الشعبية التي تقف معه في وجه الأطراف السياسية التي تندد علاقة الحزب بإيران.
- في ظل هذه التطورات، وجد حزب الله نفسه في متاهة تجعل الخطوة ما بين العجز والإرادة.
إسرائيل والغرب: انتصار تكتيكي أم بداية لتصعيد أكبر؟
إسرائيل، التي كانت وراء هذه الضربة النوعية، قد تعتبر هذا الهجوم انتصاراً تكتيكياً كبيراً في صراعها الطويل مع حزب الله. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل ستكون هذه الضربة بمثابة نهاية لمرحلة معينة في الصراع، أم أنها ستفتح الباب أمام حرب إقليمية اكبر؟
بالنسبة لإسرائيل والغرب، يعتبر حزب الله تهديداً دائماً يتجاوز حدود لبنان، حيث يمتد نفوذه إلى سوريا واليمن ويشارك في صراعات إقليمية متعددة. إذا تم تحييد حزب الله أو إضعافه بشكل كبير بعد هذه الضربة، فقد يكون لذلك تأثير كبير على التوازنات الإقليمية. ومن المتوقع أن تكون إسرائيل قد أوقعت حزب الله في فخ حرب إقليمية مخطاً لها منذ سنوات مضت.
ختاماً:
جاءت تفجيرات البيجر في وقت كان حزب الله يدعي أنه قادر على خلق توازن الرعب الاستراتيجي مع إسرائيل. لقد أصبح الآن أمام حزب الله أن يعيد حساباته بشكل أدق خاصة الجدوى بأن يكون ذراعاً للمد الشيعي الإيراني للسيطرة على دول المنطقة ذات الأغلبية السنية.
السؤال الشائع على لسان اللبنانيين وماذا بعد يا حزب الله ….؟ الطريق الى ايران مفتوحة أمامك … أما طريق الإيرانيين الى لبنان مسدوداً مسدوداً مسدود.
تعليقات 1