يرى كثير من المراقبين أنّ من أهمّ أسباب التدخل العسكري الروسي في سوريا بأيلول 2015 هو من باب امتلاك ورقة مهمة تُستعمل للتساوم مع الولايات المتحدة لتقديمها مقابل تنازلات غربية في أوكرانيا وخاصة شبه جزيرة القرم وميناءها وقاعدتها العسكرية على البحر الأسود والصالحة للملاحة طيلة العام…
ومنهم من يرى أنّ من أسباب عدم الممانعة الأمريكية للتدخل العسكري الروسي في سوريا كان لإدراك إدارة أوباما بأنّ الناتو غير جاهز لاحتواء المغامرات الروسية في جورجيا ومن ثم أوكرانيا ، وعليهم إشغال الدب الروسي بصيد ثمين ريثما يتم الاستعداد لمغامرة روسية جديدة، وهو ما حصل في 24 شباط 2022 عندما اقتحم الجيش الروسي الأراضي الأوكرانية على أمل احتلال كييف وإسقاط حكومة زيلنسكي الموالية للغرب وتنصبب حكم تابع لروسيا ، من هنا كانت بداية الدخول الروسي للمستنقع الأوكراني ولا يُعرف بالضبط متى سيخرج منه، وإن كان البعض يرى أنّ حرب الاستنزاف والعقوبات والحصار الدولي لن تُرفع عن الاتحاد الروسي قبل أن يسير في طريق خلفه الاتحاد السوفييتي ويتفكّك إلى جمهوريات قومية ودينية متعددة بحيث لا تقوم قائمة لقرن كامل لأيّ خطر روسي على أوربا.
في إحدى جولات المرشح الرئاسي ترامب الانتخابية قال إنه مّستعدّ لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية بتلفون واحد مع بوتين، وبالطبع هذا كلام انتخابي أقرب للشعبوية، ولم يتوحّد الحلف في موقف واحد بعد الحرب العالمية الثانية ضد النازية إلا في الموقف ضد هتلر الجديد الزاحف من الشرق لإخضاع القارة العجوز..
وإذا ما وصل ترامب للرئاسة الأمريكية في 20 كانون ثاني 2025 فإنه حسب مراقبين لن يكون بمقدوره لوقف الحرب في أوكرانيا إلا عرض واحد بل وحيد، وهو انسحاب القوات الروسية من كل الأراضي الأوكرانية ( بما فيها المحتلة عام 2014 ) مقابل التعهد بعدم انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي مُستقبلاً ، وهو الهدف المباشر و المعلن للغزو الروسي لجارتهم الغربية، وإذا رفض الرئيس بوتين هذا العرض فإنه أمام خيار أسوأ وهو الإعلان عن انضمام أوكرانيا للحلف ، وهذا من أكبر الكوابيس بل أخطرها على بوتين، ويقول البعض سواء قبل الرئيس بوتين العرض الأمريكي أو رفضه، فإنّ المسعى الأمريكي في عهد الرئيس ترامب هو طرد روسيا من مجلس الأمن ( لأنها تخرق الأمن الدولي ) وانضمام ألمانيا أو الهند بدلاً عنها ، حيث يرى البعض أنّ وراثة روسيا لمقعد الاتحاد السوفييتي بمجلس الأمن كان خطيئة كبرى…
لا أظنّ أنّ الولايات المتحدة ستقبل بأيّ عرض روسي للمقايضة بين انسحاب روسي من سوريا مقابل تنازلات غربية في أوكرانيا، ومن المرجّح أن يتمّ إرغام الروس على الانسحاب من سوريا والابتعاد عن ضفاف شرق المتوسط والممر الهندي -العربي- الأوربي…وعدم تهديد إمدادات الغاز من المنطقة إلى القارة العجوز بعد استغنائها عن الغاز والنفط الروسي وتدمير أنابيب نورد ستريم 2 في بحر البلطيق، ولأن التواجد العسكري الروسي في سوريا مُرتبط بوجود بشار الأسد في السلطة، بحيث يبرز الاهتمام الروسي بإعادة تعويم الأسد عربياً وتركياً، وهو ما لم تسمح به المنظومة الغربية والتي ترى في الأسد مخلبا روسياٌ إيرانياٌ يَتوجّب قلعه وليس تقليمه.
خاتمة:
في سياق الصراع الجيوسياسي العالمي، يرى العديد من المراقبين أن التدخل العسكري الروسي في سوريا عام 2015 كان يهدف إلى استخدام سوريا كورقة ضغط في مفاوضاتها مع الولايات المتحدة، خاصة بشأن النزاعات في أوكرانيا. كانت روسيا تسعى للحصول على تنازلات غربية بخصوص القرم ومينائها الاستراتيجي على البحر الأسود. في المقابل، لم تمانع الولايات المتحدة هذا التدخل، إذ ربما رأت فيه وسيلة لإشغال روسيا في صراع بعيد عن أوروبا، إلى حين الاستعداد لمغامرات روسية أخرى.