اتهمت الخارجية البريطانية النظام السوري بإخفاء مئات الأطنان من المواد الكيميائية، وعدم الوفاء بتعهداته لمجلس الأمن بشأن التخلص من الأسلحة الكيميائية. جاء هذا الاتهام على لسان نائبة المنسق السياسي في وزارة الخارجية البريطانية، لورا ديكس، خلال اجتماع مجلس الأمن الدولي لعام 2024 لمناقشة ملف الأسلحة الكيميائية في سوريا يوم الثلاثاء 11 يونيو 2024.
أكدت لورا ديكس أن نظام الأسد لا يزال يمتلك الأسلحة الكيميائية حتى اليوم، مشيرة إلى أن آلاف الذخائر ومئات الأطنان من المواد الكيميائية ما زالت مفقودة في سوريا. وأوضحت ديكس أن تحليل العينات التي تم جمعها في موقعين بسوريا في أبريل 2023 يشير إلى وجود أنشطة معالجة وإنتاج غير معلنة للأسلحة الكيميائية.
لفتت ديكس إلى أن النظام السوري فشل في تقديم إعلان كامل ودقيق عن مخزوناته الكيميائية، رغم الجهود الحثيثة والمتكررة التي بذلتها أمانة منظمة حظر الأسلحة الكيميائية. وأشارت إلى أن النظام لم يلتزم بتعهداته بموجب قرار مجلس الأمن رقم 2118، الذي يدعو إلى التخلص من الأسلحة الكيميائية السورية والتحقق الصارم من ذلك.
أكدت المسؤولة البريطانية أن المملكة المتحدة ستواصل متابعة مسألة محاسبة النظام السوري على استخدامه الأسلحة الكيميائية. وشددت على أن الفشل في محاسبة النظام سيقوض البنية الدولية لمنع انتشار الأسلحة النووية. واعتبرت ديكس أن مجلس الأمن يجب أن يبقى مركزاً على هذا التهديد المستمر للسلم والأمن الدوليين حتى يعلن النظام السوري عن أسلحته الكيميائية ويدمرها بالكامل.
أكدت آلية التحقيق المشتركة بين الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، وفريق التحقيق وتحديد الهوية التابع للمنظمة، أن النظام السوري استخدم الأسلحة الكيميائية، بما في ذلك السارين والكلور، ضد الشعب السوري تسع مرات بعد انضمامه إلى اتفاقية الأسلحة الكيميائية عام 2013.
خلفية انضمام سوريا للاتفاقية
تعد مجزرة الغوطة التي وقعت في 21 أغسطس 2013 واحدة من أبشع الهجمات الكيميائية التي نفذها النظام السوري، حيث استهدفت منطقة الغوطة الشرقية بريف دمشق باستخدام غاز السارين السام. أسفرت المجزرة عن مقتل مئات المدنيين، بينهم عدد كبير من الأطفال والنساء، وأصيب آلاف آخرون بالاختناق والتسمم. أثارت هذه الجريمة ردود فعل دولية غاضبة وأدت إلى ضغوط مكثفة على النظام السوري للانضمام إلى اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية. ورغم انضمام سوريا للاتفاقية في أكتوبر 2013، واستجابة النظام جزئياً للمطالب الدولية بتسليم وتدمير جزء من مخزونه الكيميائي، إلا أن التحقيقات المستمرة أظهرت استمرار النظام في إخفاء وتطوير هذه الأسلحة، مما يعزز المخاوف من استخدام مستقبلي لها ضد المدنيين. تعتبر مجزرة الغوطة تذكيراً مروعاً بالمخاطر الكارثية لاستخدام الأسلحة الكيميائية، وحافزاً للمجتمع الدولي للعمل بجدية لمنع تكرار مثل هذه الفظائع.
وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان تنفيذ النظام السوري 217 هجوماً كيميائياً على مختلف المحافظات السورية منذ 23 ديسمبر 2012 حتى 7 أبريل 2024، ما تسبب في مقتل 1514 شخصاً بينهم 214 طفلاً و262 سيدة، وإصابة 11080 آخرين.
قرار مجلس الأمن 2118
صوت مجلس الأمن الدولي بالإجماع في 27 سبتمبر 2013 على القرار 2118، الذي يتضمن إجراءات لتفكيك برنامج الأسلحة الكيميائية السوري والتحقق من ذلك. ينص القرار على أن النظام السوري لا يجب أن يستخدم أو يستحدث أو ينتج أو يمتلك أو يخزن أو ينقل الأسلحة الكيميائية بأي طريقة.
تؤكد هذه الاتهامات والتحقيقات الدولية المستمرة على أهمية التزام المجتمع الدولي بمحاسبة النظام السوري لضمان الأمن والسلم الدوليين ومنع انتشار واستخدام الأسلحة الكيميائية.
تأثير عدم المحاسبة على المنطقة والمجتمع الدولي
إن الفشل في محاسبة النظام السوري على استخدامه للأسلحة الكيميائية لا يؤثر فقط على سوريا والمنطقة، بل يمتد تأثيره إلى النظام الدولي برمته. إن السماح لأي دولة بانتهاك الاتفاقيات الدولية دون عواقب يعرض القواعد والمبادئ التي تحكم العلاقات الدولية للخطر، ويضعف مصداقية المؤسسات الدولية مثل منظمة حظر الأسلحة الكيميائية ومجلس الأمن.
أكدت المملكة المتحدة عزمها على مواصلة الجهود لضمان محاسبة النظام السوري. يأتي ذلك ضمن إطار تعاون دولي يشمل دولاً عديدة ومنظمات دولية تعمل على جمع الأدلة وتوثيق الانتهاكات، بهدف تقديم المسؤولين عنها إلى العدالة. هذا التعاون يشمل تقديم الدعم للمنظمات غير الحكومية والنشطاء الذين يعملون في جمع المعلومات وتوثيقها على الأرض في سوريا.
خاتمة:
في الختام، يعد الاتهام البريطاني للنظام السوري بإخفاء مئات الأطنان من المواد الكيميائية قضية خطيرة تتطلب اهتماماً دولياً مكثفاً. يجب أن يستمر الضغط الدولي على نظام الأسد للكشف عن كامل مخزوناته من الأسلحة الكيميائية وتدميرها، وضمان عدم استخدامها ضد شعبه في المستقبل. إن الالتزام بتطبيق القرارات الدولية ومحاسبة المسؤولين عن انتهاكاتها هو السبيل الوحيد للحفاظ على السلم والأمن الدوليين ومنع تكرار مثل هذه الفظائع في المستقبل.