بدء جلسات المحاكمة في قضية الدباغ: محاكمة غيابية لمسؤولي المخابرات السورية في فرنسا
بدأت في باريس جلسات المحاكمة الغيابية لثلاثة من كبار مسؤولي المخابرات السورية، في خطوة تاريخية تُعد الأولى من نوعها في فرنسا. يُحاكم المسؤولون علي مملوك، وجميل الحسن، وعبد السلام محمود بتهمة التواطؤ في ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ضد مازن وباتريك الدباغ، اللذين اختفيا وقتلا تحت التعذيب على يد أجهزة المخابرات السورية.
أسرة القبة الوطنية السورية، إلى جانب العديد من المنظمات الحقوقية، تطالب بتحقيق العدالة لضحايا التعذيب والإخفاء القسري. تعتبر هذه القضية رمزاً للمعاناة التي تعرض لها آلاف السوريين على يد أجهزة المخابرات السورية. تطالب “القبة الوطنية السورية“ بتحقيق العدالة ليس فقط من أجل مازن وباتريك الدباغ، بل من أجل جميع الضحايا الذين اختفوا أو تعرضوا للتعذيب في السجون السورية. إن هذه المحاكمة الغيابية تعد خطوة هامة في مسار ملاحقة مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية، وترسل رسالة واضحة بأن المجتمع الدولي لن يغض الطرف عن هذه الفظائع، وأن هناك إصراراً على محاسبة الجناة وضمان عدم إفلاتهم من العقاب.
تفاصيل القضية
في 3 نوفمبر 2013، اعتقل مازن الدباغ، المدرس في المدرسة الفرنسية بدمشق، وابنه باتريك الدباغ، الطالب في كلية الهندسة المعمارية بجامعة دمشق، من منزلهما في العاصمة السورية. تم الاعتقال من قبل عناصر من المخابرات الجوية السورية، دون تقديم أي تهمة أو أمر قضائي. وكانت هذه العملية جزءاً من حملة قمع واسعة النطاق استهدفت المعارضة والمدنيين السوريين خلال الثورة السورية.
بعد اعتقالهما، تم نقل مازن وباتريك إلى اقبية المخابرات الجوية، حيث تعرضا لتعذيب وحشي. حيث ادلى ناجين بشهادات من هذه المراكز وتقارير حقوقية أكدت أن ظروف الاعتقال كانت قاسية وغير إنسانية، وأن التعذيب كان يمارس بشكل ممنهج. في أغسطس 2018، تم إبلاغ عائلة الدباغ بوفاة مازن في نوفمبر 2017، وباتريك في يناير 2014، لكن لم يتم تسليم جثتيهما أو الكشف عن مكان دفنهما.
المسؤولون المتهمون في قضية الدباغ
علي مملوك: رئيس مكتب الأمن الوطني السوري، وهو من أبرز الشخصيات الأمنية في النظام السوري.
جميل الحسن: رئيس المخابرات الجوية السورية، والمسؤول المباشر عن العديد من مراكز الاحتجاز التي شهدت انتهاكات واسعة.
عبد السلام محمود: رئيس فرع التحقيق في المخابرات الجوية، والمتهم بإصدار أوامر التعذيب وتنفيذها.
التهم الموجهة
وجهت السلطات الفرنسية إلى هؤلاء المسؤولين تهم التواطؤ في ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك القتل تحت التعذيب والإخفاء القسري. تعتبر هذه التهم جزءاً من الجهود الدولية لمحاسبة نظام الأسد على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ارتكبها خلال الثورة.
تستند المحاكمة إلى مبدأ الولاية القضائية العالمية الذي يسمح للدول بملاحقة جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية بغض النظر عن مكان ارتكابها وجنسية الضحايا أو الجناة. هذه الملاحقات القضائية تهدف إلى تقديم المسؤولين عن الانتهاكات الخطيرة إلى العدالة، حتى وإن كانوا خارج نطاق الاختصاص القضائي المباشر للدولة التي تجرى فيها المحاكمة.
تعتبر قضية الدباغ رمزية في سياق السعي لتحقيق العدالة للضحايا السوريين وللعائلات التي فقدت أحبائها نتيجة للعنف والانتهاكات التي ارتكبها النظام السوري. إن المحاكمة الغيابية لهؤلاء المسؤولين ترسل رسالة قوية بأن المجتمع الدولي ملتزم بمحاسبة مرتكبي الجرائم الخطيرة ضد الإنسانية، وأن الإفلات من العقاب لن يدوم.
بالرغم من أهمية المحاكمة، فإن غياب المتهمين وعدم إمكانية تنفيذ الأحكام يشكلان تحدياً كبيراً. ومع ذلك، فإن إصدار أحكام قضائية يمكن أن يؤدي إلى تضييق الخناق على هؤلاء المسؤولين ويحد من حركتهم الدولية ويجعلهم مطلوبين للعدالة في العديد من دول العالم.
المطالبة بالعدالة
أسرة الدباغ، بالإضافة إلى القبة الوطنية السورية وغيرها من المنظمات الحقوقية، تطالب بتحقيق العدالة لضحايا التعذيب والإخفاء القسري. يُنظر إلى هذه المحاكمة على أنها خطوة رمزية وقانونية هامة تعزز الأمل في ملاحقة ومعاقبة كل من تورط في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في سوريا.
لاقى بدء المحاكمة ترحيباً من قبل العديد من الدول والمنظمات الدولية الداعمة لحقوق الإنسان. واعتبرت هذه المحاكمة إشارة قوية إلى التزام المجتمع الدولي بمحاسبة مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية. وأكدت المنظمات الحقوقية أن هذه المحاكمة تمثل بادرة أمل لعائلات الضحايا والناجين من الفظائع التي ارتكبت في السجون السورية.
خاتمة
تشكل هذه المحاكمة الغيابية في فرنسا بداية جديدة في مسار العدالة الدولية، حيث يتم محاسبة مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية بغض النظر عن مناصبهم أو مواقعهم. إنها رسالة واضحة لكل من يعتقد أنه يمكن الإفلات من العقاب على الجرائم التي ارتكبت بحق الإنسانية، وتؤكد على أهمية استمرار الجهود الدولية لملاحقة الجناة وضمان عدم إفلاتهم من العقاب.