وثيقة المناطق الثلاث: نحو استعادة المبادرة والوحدة الوطنية
مع تصاعد الصعوبات في الأزمة السورية، يبدو أن الأمل في استعادة السيادة الوطنية والمبادرة السياسية لا يزال حياً في بعض المناطق السورية، حيث أصدرت “وثيقة المناطق الثلاث” بيانها في الثامن من مارس الماضي. تُعد هذه الوثيقة خطوة نحو تأمين مستقبل سوريا وتمثل تجسيداً للمبادئ التي تحاول استعادتها الثورة السورية منذ انطلاقتها.
يشير اختيار المناطق الثلاث – ريف حلب الشمالي والقريّا ودرعا – كمواقع للإعلان عن الوثيقة إلى أهمية رمزية لهذه المناطق في تاريخ النضال السوري. فريف حلب الشمالي يحمل ذكريات إبراهيم هنانو، والقريّا هي مسقط رأس سلطان باشا الأطرش، بينما انطلقت ثورة آذار 2011 من مدينة درعا. ومع أن الإعلان كان في هذه المناطق، إلا أن دعوة الوثيقة تمتد لجميع المدن والمناطق السورية الأخرى، مما يمثل دعوة للتفكير والعمل الوطني المشترك.
مبادئ وثيقة المناطق الثلاث
تتضمن بنود وثيقة المناطق الثلاث خمسة مبادئ تعبر عن رؤية شاملة لمستقبل سوريا.
أولاً: إعادة تأميم السياسة:
المبدأ الأولى لوثيقة المناطق الثلاث يؤكد على حق السوريين في استعادة السياسة وتحرير القرار من الجماعات والأنظمة التي احتكرتها. في سوريا، نؤمن أن السياسة هي قضية عامة تخص كل السوريين دون استثناء. نحن نرفض بشدة تسليم قراراتنا العامة لأي جهة خارجية أو أي كيان آخر، سواء كانت حكومة أجنبية أو ميليشيا أو جماعة حزبية. هذا التصريح يهدف إلى حماية استقلالية الشعب السوري وحقه في تحديد مصيره، بغض النظر عن الجهة التي تسعى للتدخل. نحن نعتبر شعار الثورة السورية الأولى “سوريا لينا وما هي لبيت الأسد” ليس مجرد شعار، بل هو تعبير عن حقنا الطبيعي في السيادة السياسية والتمتع بحرية تقرير المصير. إن تمكين الشعب السوري من السيطرة على مصيره هو هدفنا الرئيسي، وسنظل مصممين على تحقيقه.
ثانياً: حقوق الإنسان والكرامة الوطنية:
المبدأ الثاني لوثيقة المناطق الثلاث يعكس الصراع الجوهري بين رغبة الشعب في الحرية والكرامة والأمان، وبين إرادة النظام في المحافظة على القمع والانتهاكات. الصراع في سوريا يجمع بين من يسعون للحرية والكرامة ومن يسعون للقمع والاستبداد. نحن نعتبر الحياة والحرية والأمن والكرامة حقوقاً أساسية لكل سوري، وهذه القيم تشكل أساس سياساتنا. نحن نرفض أي فعل يدعو إلى الكراهية أو ينتهك حقوق الإنسان، ونسعى دائماً إلى تعزيز الاستقرار بطرق تحافظ على حقوق وكرامة الفرد.
ثالثاً: رفض الانقسام وتعزيز الوحدة الوطنية:
المبدأ الثالث لوثيقة المناطق الثلاث فيؤكد على الوحدة الوطنية كمفهوم أساسي يجب أن يتجاوز التفرقة بين الطوائف والملل. سوريا هي دولة تجمع جميع أبنائها، وتعترف بتعددية الثقافات والطوائف والمجتمعات. نحن نرفض بشدة أي محاولة لتقسيم البلاد، ونؤمن بأهمية الوحدة الوطنية في بناء مستقبل مشترك لكل السوريين.
رابعاً: التعاون والحوار:
المبدأ الرابع لوثيقة المناطق الثلاث يشدد على أهمية التنسيق والحوار بين السوريين كوسيلة لتحقيق التفاهم والعمل المشترك. نحن نؤمن بأن التعاون والحوار هما السبيل لحل النزاعات وتحقيق التقدم. نحن ندعو جميع السوريين إلى التعاون والحوار المفتوح، وبناء شبكات من الثقة بين مختلف المجتمعات والمناطق. إن العمل المشترك هو الطريق نحو استعادة الوطن وبناء مستقبل أفضل للجميع.
خامساً: بناء الثقة:
المبدأ الخامس لوثيقة المناطق الثلاث يدعو إلى بناء الثقة بين السوريين كأساس للوحدة الوطنية والانتقال نحو الديمقراطية. نحن نعتبر الثقة أساساً أساسياً لبناء مجتمع وطني قوي ومستقر. نحث جميع السوريين على التعبير عن الثقة والعمل على تعزيزها، وجعلها جزءاً أساسياً من السلوك السياسي والاجتماعي. إن استعادة الثقة بين أفراد المجتمع السوري هي خطوة أساسية نحو بناء مستقبل أفضل.
نحن نسعى إلى تحقيق أهدافنا الوطنية من خلال تعزيز الوحدة والثقة والحوار البناء، وندعو جميع السوريين إلى الانضمام إلى جهودنا لبناء مستقبل مشترك يضمن حقوق وكرامة الجميع.
يعكس مضمون الوثيقة تفكيراً جديداً يسعى إلى إعادة الاعتبار للقضية السورية من خلال تحرير الفكر والعمل السياسي من الإطارات التقليدية. يؤكد الدكتور مضر رياض الدبس على أهمية هذا التفكير الجديد الذي يستلهم من وعي السوريين وكشوفات ثورة 2011، ويؤكد أن أي مبادرة جديدة للعمل الوطني يجب أن تتجذر في هذا الوعي الشامل، بعيداً عن الإيديولوجيات البائدة.
وثيقة المناطق الثلاث تمثل بذلك دعوة للسوريين جميعاً للاستفادة من فرصة استعادة المبادرة الوطنية والتفكير بمصلحة سوريا ككل، بعيداً عن المصالح الخارجية وأدواتها. إنها خطوة نحو بناء مستقبل سوريا يتسم بالحرية والكرامة والعدالة لكل السوريين.
تعليقات 1