لقد شرع النظام بالتصدي للثورة التي شهدتها سوريا منذ عام 2011، ولم يكتفي في تدمير البنية التحتية لمعظم المدن والقرى مع قتل كل من وقع تحت قبضته من الثوار الأشاوس، بل أطلق شبيحته لتعيث فساداً أينما حلوا ورحلوا. وقد تمادى أولئك الفاسدين على نهب المنازل والمرافق العامة التي لاذ أهلوها بالفرار من الموت. ولما انتهوا من سرقة كل شيء، لم يبق أمامهم إلا شبكات الكهرباء التي تستعمل الأعمدة المدنية الضخمة وكابلات ذات أقطا ثخينة جداً مصنوعة من الألمونيوم والفولاذ. لذلك أقدموا على تفكيكها وسرقتها من العديد من المدن والمناطق مثل:
ريف دمشق (2018) – معظم الأماكن (2019) – دير الزور (2020) – حلب (2021) – حمص (2022) – دير علي / عدرا (عدة مرات وأكبرها منذ أربعة أيام)
وأصبحت هذه الظاهرة من المشاكل ذات الأضرار الجسيمة لكونها تُعدُّ حيوية لاستمرار الحياة المعيشية والنشاط الاقتصادي. وبالأخص أنها أضحت بتزامنها وتكرارها مشكلة شائعة ومستمرة في السنوات الأخيرة.
تدمير متعمد مسكوت عنه
منذ بداية الأزمة في سوريا في عام 2011، تضررت العديد من المحطات الكهربائية والشبكات الكهربائية بشكل كبير نتيجة للقتال المستمر والتدمير المتعمد. ومع تدهور الوضع الأمني، انتشرت ظاهرة سرقة الكابلات الكهربائية بشكل متزايد، حيث يقوم بعض بعض المنضوين في منظومة الفساد من الشبيحة والجماعات المنظمة بنهب الكابلات، وبيعها خارج البلاد وفي الداخل أيضاً، مستفيدين من أثمانها كأثرياء حرب أو لتمويل صناعة السلاح والذخائر لمنظماتهم المسيطرة على الكثي من المناطق.
أكبر سرقة كابلات في تاريخ سوريا
تعرضت منطقة محطة الدير علي ومحطة عدرا لأكبر سرقة للكابلات الكهربائية منذ أيام قليلة. فقد جاء في الإعلان أنها أضخم كمية مسروقة من كابلات التوتر العالي الكهربائية بطول ٣٦ كم والممتدة بين محطة الدير علي ومحطة عدرا في ريف دمشق وتقدر تكلفتها بحوالي 8 مليارات ليرة. ويبلغ وزن كل متر من هذه الكابلات 2.3 كغ وسعر الكيلو الواحد 147 ألف ليرة. وبحسبة بسيطة، يكون وزن ستة خطوط بطول 36 كم حوالي 496 طن من الألمنيوم والفولاذ.
والسؤال المطروح كيف تمت هذه السرقة الضخمة في فترة قصيرة؟ لأنها تحتاج الى عشرات العمال المتخصصين مزودين بروافع (ونشات) ضخمة وشاحنات لتنقلها إلى أماكن تخزينها. كما أنها تتطلب أسابيع أو شهور لتنفيذهذه السرقة. لذلك تدور الشكوك بأنَّ بعض موظفي الكهرباء وعدد من الأجهزة الأمنية والمخبرين والحواجز المنتشرة في كل الشوارع والطرق، هم شركاء في هذه السرقة.
بشكل ملحوظ ، أدى ذلك النهب إلى انقطاع الكهرباء في مناطق واسعة، مما زاد في تدهور الوضع الأمني المتهالك أصلاً، وجعل الأمن معدوماً لتأمين هذه المناطق، مما يجعلها هدفًا سهلاً للمجرمين.
تعتبر السرقة منطلقاً مزعجاً لعدة أسباب، فضلاً عن تأثيرها السلبي على إمدادات الكهرباء واستقرار البنية التحتية، فإنها تؤدي أيضًا إلى خسائر مالية كبيرة تضر بالاقتصاد وتعيق عمليات الإعمار والتنمية. بالإضافة إلى ذلك، تزيد من أخطار التشويش على خدمات الطوارئ وتعرض حياة المدنيين للخطر.
الفساد سبب تفشي هذه الظاهرة
يعتبر الفساد عاملاً رئيساً من العوامل التي تسهم في تفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية. كما يؤدي إلى ضعف السلطات الحكومية وانهيار النظام الأمني، ويفتح الأبواب أمام عمليات أوسع من سرقة موارد البلاد. وبالتالي يصعب على السلطات اتخاذ إجراءات فعالة لمكافحة هذه الظاهرة نظرا بسبب تورط بعض الجهات ذات النفوذ وحمايتهم لمنفذي السرقات. لذلك أصبحت سوريا مرتعاً لفساد رأس النظام وبطانته من المجرمين والمتورطين في أنشطة غير قانونية.
ينبغي من أجل مكافحة ظاهرة سرقة الكابلات الكهربائية والحد من الفساد المتصاعد في سوريا، تعزيز الرقابة وتطبيق القانون مع تبني مزيد من الشفافية والمساءلة والحزم في المحاسبة. كما أنَّ تعزيز التوعية المجتمعية بأهمية مكافحة الفساد وتشجيع مشاركة أفراد المجتمع كافة في هذا الصدد. ومن خلال الجهود المشتركة والمتواصلة، يمكن تقليل تأثيرات الفساد وسلبياته، والحد من ظاهرة سرقةممتلكات الدولة، بما يكفل ترسيخ الاستقرار والتنمية في البلاد.
لذلك يجب على الحكومة السورية والجهات ذات الصلة اتخاذ إجراءات صارمة لحماية ممتلكات الشعب وتأمين المناطق الحيوية للبنية التحتية الحيوية. ورفع الوعي عند المواطنين بأنَّ الحفاظ على تلك البنى التحتية العامة هي مصلحة تفيد الجميع.
في ختام هذا المقال، يتبادر إلى أذهان السوريين أنَّ مستقبل سوريا المنشود لا يستقيم تحقيقة إلا بفرط عقد النظام، وعودة المهجرين إلى أماكنهم كي يستعيدوا حريتهم وكرامتهم من جديد بعد أنْ كابدوا الأمرين من التحديات الكبيرة التي واجهوها بروح من الصمود والتضحية لم تتزعزع.
وخلاصة القول، لا تكون العبرة المرجوة إلا عندما يتحقق التغيير السياسي في سوريا، واتاحة فرص جديدة للإعمار والتنمية، تُمَكن الشعب السوري من بناء المستقبل المشرق الذي يناضل اليوم من أجل تحقيقه.
شكرا للمقال
شكرا لجهودكم
لا تكتمل مهمة اإعلام إلا بوجود من يتفاعل معه. نشكر جميع زوار موقعنا.
شكرا لهذا المقال
مقال جيد
جزاكم الله خيرا
نشكر زيارتك للمنصة مع كياسة التعليق.