يتعاظم تركيز جهود النظام السوري في السنوات الأخيرة من خلال محاولات متعددة لإعادة إحياء حزب البعث المتهالك، الذي لعب دوراً رئيساً في تشكيل السياسة السورية على مدى عقود مضت. ويأتي هذا التحرك الحثيث في ظل تحديات داخلية وخارجية متنوعة تواجه نظام الأسد، والتي تعيق إعادة ترميم هيكليَّة حزب البعث كأداة حيوية تستطيع الحفاظ على السيطرة وتعزيز الشرعية من خلال فحص مسار تطور الحزب ودوره في الفترة ما بين عامَيْ 2011 و2024، يمكننا فهم الدوافع والأسباب التي تدفع النظام لهذه الخطوة.
تحولات حزب البعث من الحالة الوطنية إلى الطائفية:
حزب البعث، الذي تأسس في عام 1947، كان له دور حاسم في تشكيل السياسة السورية منذ توليه السلطة عام 1963 عبر انقلاب عسكري. ترسخت سلطته كحزب حاكم يخفي تحت عباءته خباثة الطائفية. واستمرت بثبات حتى قيام الاحتجاجات الشعبية في عام 2011. هذه الاحتجاجات أجبرت النظام على إجراء تعديلات دستورية وتغييرات في نظام الأحزاب بهدف تهدئة الأوضاع ومواجهة التحديات الجديدة.
تراجع البعث وفقدان سيطرته:
خلال فترة النزاع المستمر منذ عام 2011، شهد حزب البعث تراجعاً ملحوظاً في سيطرته ودوره السياسي. فقد خسر الحزب جزءاً كبيراً من قاعدته الشعبية، وتراجع عدد أعضائه بشكل ملحوظ بسبب الأزمات الاقتصادية والنزاع المسلح. كما انحسر دوره السياسي وظهرت أصوات تطالب بالتغيير والإصلاح خارج إطار الحزب الحاكم وتدخلات ايران وروسيا.
محاولات إعادة البعث إلى الواجهة:
يعكف نظام الاسد حالياً على محاولات لإعادة إحياء حزب البعث وتعزيز دوره في المشهد السياسي، وتركزت جهوده على اخراج هذا الحزب الحبيس في قمقم الطائفية. تأتي هذه المحاولات في سياق تطلعات النظام لتعزيز شرعيته واستقرار الوضع الداخلي، خاصة في ظل استمرار الصراعات والضغوط الخارجية.
التغييرات الدستورية والقانونية:
قام النظام بتعديلات دستورية وقانونية بهدف تعزيز دور حزب البعث وتمكينه من العودة إلى الواجهة السياسية. من بين هذه التعديلات، إجراء انتخابات داخلية لاختيار القيادة الحزبية بطرق أكثر شرعية وشفافية، بالإضافة إلى إلغاء بعض القيود التي كانت تحد من نشاط الأحزاب السياسية الأخرى.
تغيير في استراتيجية البعث:
تغيير في استراتيجية حزب البعث يعكس استجابته للتحديات الجديدة التي واجهته خلال الفترة من عام 2011 إلى 2024. إليك بعض النقاط التي تشير إلى هذا التغيير في الاستراتيجية:
- التكيف مع التحولات السياسية: فهم حزب البعث أن الظروف السياسية والاجتماعية قد تغيرت بشكل جذري بسبب الاحتجاجات والصراعات الداخلية. لذا، بدأ الحزب في تكييف استراتيجيته لتلبية تلك التحولات والتحديات الجديدة.
- التحول نحو الأمن والعسكرة: بسبب تصاعد الصراع المسلح وتدهور الوضع الأمني، قرر حزب البعث توجيه جهوده نحو تعزيز الجانب الأمني والعسكري للحفاظ على السلطة والنفوذ الطائفي بإمتياز.
- إعادة الهيكلة الداخلية: فهم الحاجة إلى إعادة هيكلة حزب البعث وتحديث هياكله التنظيمية لتعزيز قدرته على التعامل مع التحديات الجديدة وتحقيق أهدافه السياسية.
- البحث عن دعم جديد: بسبب فقدان الدعم الشعبي والانعزال الدولي، بدأ حزب البعث في البحث عن مصادر جديدة للدعم، سواء كان ذلك من خلال التحالفات الإقليمية أو التوجه نحو قوى دولية أخرى.
- التعاطي مع التنوع السياسي: بعد تغييرات دستورية في سوريا أدت إلى إلغاء الهيمنة الحزبية لحزب البعث، بدأ الحزب في التعاطي مع الواقع السياسي الجديد الذي يتسم بالتنوع الحزبي والسياسي.
- استخدام الدعاية والإعلام بشكل أكبر: بالنظر إلى تأثير الدعاية والإعلام على الرأي العام، بدأ حزب البعث في استخدامهما بشكل أكبر لتعزيز صورته ومكانته في المجتمع السوري.
البحث عن الشرعية والاستقرار:
يمثل إعادة بناء حزب البعث جزءاً من السعي الدائم للنظام السوري نحو تعزيز شرعيته وتحقيق الاستقرار الداخلي. يعتبر الحزب عنصراً أساسياً في النظام السوري، ولذلك يسعى النظام جاهداً لتقوية دوره ومكانته في المجتمع.
انتخابات حزب البعث عام 2024!
لماذا جرت انتخابات حزب البعث عام 2024؟ كانت الانتخابات تُعتبر خطوة مهمة لتلميع صورة الحزب أمام المجتمع الدولي، حيث كان يواجه الانتقادات بشأن طرق اختيار القيادة. في الماضي، كانت هناك آليات مباشرة لتعيين القادة، ما يعني أن الانتخابات الجديدة تُقدم غطاء شرعي يعزز دور الحزب كمؤسسة سياسية مهمة في سوريا.
هدف الانتخابات:
- إعادة صياغة صورة الحزب: تسعى الانتخابات إلى تقديم الحزب كقوة يسارية علمانية اشتراكية قديمة، وذلك من خلال إضفاء الشرعية عليه وتوفير فرصة لإعادة تقديمه كممثل سياسي رئيسي في البلاد، وهذا يأتي تمهيداً لمواجهة أي استحقاقات دولية مستقبلية.
- تحفيز الأعضاء الشباب: من خلال الانتخابات، يأمل الحزب في تجديد الحيوية والنشاط داخل صفوفه، خاصة بين الشباب، وذلك لإعادة تنشيط الهياكل التنظيمية التي استفاد منها الحزب في الماضي لزيادة سلطته ونفوذه.
- استعادة الغطاء السياسي: تهدف الانتخابات إلى ترميم الغطاء السياسي الذي يوفره الحزب للنظام، خاصة بعد الجوانب الضعيفة التي ظهرت خلال فترة النزاع، وذلك لضمان استمرارية النظام والحفاظ على توازن القوى الداخلية.
- مواجهة التحديات السياسية: تأتي الانتخابات كخطوة استباقية لمواجهة أي مطالبات سياسية مستقبلية وضمان عدم تعرض الحزب للضعف أو الانحياز في وجه التحديات السياسية.
- تلبية طموحات الشركاء الإقليميين: تتناسب الانتخابات مع مطالب الشركاء الإقليميين مثل روسيا وإيران، اللذين يرون في استمرارية الحزب فرصة لتحقيق مصالحهم في سوريا وضمان استقرار النظام القائم.
باختصار، جرت الانتخابات في حزب البعث عام 2024 بهدف تجديد الشرعية وتعزيز دور الحزب كقوة سياسية رئيسية في سوريا، وتوفير غطاء سياسي للنظام ومواجهة التحديات السياسية المستقبلية.
ختاماً:
تواجه النظام السوري تحديات كبيرة في ظل الأزمات السياسية والاقتصادية التي يمر بها البلاد، وهو ما يجعل إعادة بناء حزب البعث أمراً ضرورياً لتعزيز الاستقرار والسيطرة على الأوضاع الداخلية. علاوة على ذلك، تأتي محاولات إعادة إحياء البعث في سياق الصراعات الإقليمية والتحديات الجيوسياسية التي تواجهها سوريا، حيث يرى النظام السوري في تعزيز حزب البعث فرصة لتعزيز تأثيره وموقعه على الساحة الإقليمية والدولية.
بشكل عام، يتجه النظام السوري نحو تعزيز حزب البعث باعتباره أداة أساسية للحفاظ على السلطة وتحقيق أهدافه السياسية والاقتصادية. ومع استمرار الصراعات والتحديات، من المرجح أن يستمر النظام في سعيه لتعزيز دور البعث وتوسيع قاعدته الشعبية، رغم التحديات الكبيرة التي تواجهه في هذا الصدد.