استهلال لا بدَّ منه
في بداية الستينيات من القرن الماضي، درج شعبياً استعمال عبارة “تأخرت يامواسم الزيتون” التي وردت في غنائية صباح ووديع الصافي “موسم العزّ”. وفي السنوات الأخيرة، عندما شرع نظام الأسد في تأسيس “امبراطورية الكبتاغون” لترميم الإنهيار الإقتصادي في سوريا نتيجة الفساد وسوء الإدارة، بدأت تتكشف سلبيات صناعة الكبتاغون والإتجار به عالمياً خلال عمليات ضبط كميات تفوق بحجمها ما سبقها من صفقات منذ 25 سنة. وحسب منظمات دولية تعنى بمتابعة هذه الجرائم مثل:
“مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد” (OCCRP)، بالتعاون مع سيسيليا أنيسي من “مشروع التقارير الاستقصائية في إيطاليا” (IRPI Media)، تبين أنه منذ عام 2013، أصبحت سوريا “عاصمة الكبتاغون الجديدة في العالم”، وفقاً لمقال نُشر عام 2016 في “مجلة الشؤون الدولية”، الصادرة عن جامعة كولومبيا. ومع تدهور الزراعة والنفط والصناعة، أصبحت صادرات المخدرات الآن من بين أهم مصادر العملات الأجنبية في سوريا.
وجاءت مؤشرات مؤكدة على أن تجارة الكبتاغون قد أصبح أحد أهم المصادر الممولة للاقتصاد في سوريا. وعلى سبيل المثال، صادرت الشرطة الإيطالية في ميناء ساليرنو 14 طناً من الكبتاغون، بقيمة مليار يورو الصيف الماضي، أي أكثر من إجمالي الصادرات الرسمية السورية التي بلغت نحو 700 مليون دولار عام 2019.
وكذلك بينت تحليل شحنات المخدرات الخمس التي صدَّرتها الموانئ السورية بين حزيران 2019 وآب 2020، والتي تمت مصادرتها في اليونان وإيطاليا والإمارات والسعودية ورومانيا، أنها جلبت دعماً مادياً للمنتفعين من هذه التجارة في سوريا بما يقدر بنحو 16 مليار دولار سنوياً وفق ما جاء في تقرير “برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للتطوير البحري”، وهو مؤسسة بحثية مقرها لندن.
فضيحة (نوكا)
في مساء الثاني من كانون الأول 2018، توجهت السفينة نوكا من ميناء اللاذقية السوري الذي تسيطر عليه الفرقة الرابعة التي يديرها ماهر الأسد شقيق الرئيس السوري بشار الأسد. وانطلقت نوكا، مترنحة باتجاه شواطئ شرقي ليبيا، محمَّلة ببضائع أرسلها عميل يعمل من نظام الأسد كمهرب للمخدرات السورية “طاهر عبدالكريم كيالي ” -وهو سوري وصاحب الباخرة ومؤسس خط الملاحة لامار بين سوريا وليبيا” غير أن حمولتها الحقيقية لم تظهر في أي دفاتر رسمية. ولدى الكيالي أيضاً صلات بمُضَر الأسد، ابن عم بشار الأسد، وتدير شركته مرسى ومنتجعاً سياحياً في اللاذقية، وفيه يُدير الكيالي “منتجع و كافيتيريا” مشهورةبفخامته.
كانت المخدرات مستورة بحمولة من التوابل والقهوة والنشارة، وفي حاويات شحن مزدوجة، كانت هناك حمولة قيمتها أكثر من 100 مليون دولار من الحشيش والكبتاغون. وبمجرد تجاوزها قبرص، حدث عطل في نظام تحديد الهوية الآلي بالسفينة “نوكا”. وبعد أنْ اعترضَ حرسُ السواحل اليونانيالسفينةَ التي ترفع العلم السوري، عند جزيرة كريت، تم اكتشاف شحنة المخدرات وألقى القبضَ على طاقمها المكوّن من 11 فرداً. والماجأة أنَّ حمولة نوكا :انت أكبر كمية على الإطلاق من مخدّر الكبتاغون تصادرها اليونان، وثاني أكبر كمية تصادرها من الحشيش خلال 25 سنة على الأقل وتقدر قيمتها بأكثر من 100 مليون دولار من الكبتاغون والحشيش، ما يدل على أنَّ بصمات نظام الأسد قد أدت إلى ازدهار تجارة المخدرات بحرياً في حوض البحر الأبيض المتوسط منذ اندلاع الفوضى التي أعقبت انتفاضة الثورة السورية في 2013.
عيون المخابرات الدولية تبصر وأفواههم تخرس
بعد مئات عمليات ضبط تهريب المخدرات التي يصنعها النظام ويرعى توزيعها على دول العالم، بدأت مؤخراً بعض الدول اتخاذ إجراءات وقائية لمواجهة تلك التجارة المتصاعدة باطراد نتيجة تغاضي محاسبة الأسد لأسباب جيوبوليتيكية خبيثة.
ومما جعلنا نتذكر القول اشائع “تأخرت يا مواسم الزيتون”، هو الخبر الذي نشرته الميديا العالمية حول فرض وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على مجموعة من الأفراد والكيانات التي يشتبه في دعمها للنظام السوري من خلال تجارة المخدرات وتحويلات مالية غير قانونية.
ضمت العقوبات 11 شخصاً وكياناً، بمن فيهم طاهر الكيالي، مالك السفينة التي عثرت عليها السلطات اليونانية عام 2018 وكانت تحمل شحنة كما طالت العقوبات محمود أبو ليلة بسبب إدانته بتهريب المخدرات في ليبيا، بالإضافة إلى شركة “الدي جي” التي قدمت خدمات لصالح نظام الأسد، وكذلك شركتي “الطائر وفري بيرد” وشركة “مايا للصرافة” وشركات “الفاضل والأدهم للصرافة”.
وبالإضافة إلى ذلك، تم فرض عقوبات على شركة “إس تي جي لوجيستيك”، المتخصصة في التعدين والتي عقدت عقداً مع النظام السوري عام 2018 لمدة 50 عاماً.
الجهود الدولية وتدابير عقابية لمحاربة نظام الأسد لتجارة المخدرات
في وقت يعاني فيه الشعب السوري من تداعيات الحرب المستمرة، يستمر نظام الأسد في البحث عن مصادر دخل جديدة لدعم نفسه، بما في ذلك اللجوء إلى أنشطة غير قانونية مثل تجارة المخدرات. تعد هذه الأنشطة ذات تأثير سلبي لا يقل أهمية عن الأزمة الإنسانية الضخمة التي تعاني منها سوريا. تشير الجهود الدولية المبذولة إلى زيادة التركيز على محاربة هذه الظاهرة، وفرض تدابير عقابية على الأفراد والكيانات المتورطة في دعم نظام الأسد وتسهيل أنشطة تجارة المخدرات.
تشكل تجارة المخدرات إحدى التحديات الرئيسية التي تواجه الجهود الدولية في تحقيق الاستقرار والأمن في سوريا والمنطقة المحيطة بها. يعود ذلك جزئياً إلى الحاجة الملحة لمصادر الدخل التي يمكن أن يستغلها النظام السوري لتمويل نفسه وسط الضغوط الاقتصادية والدولية المتزايدة. وعلى الرغم من الجهود الدولية الرامية لفرض عقوبات اقتصادية على النظام السوري، فإنه لا يزال يواصل البحث عن وسائل لتجاوز هذه العقوبات وتأمين مصادر الدخل بطرق غير شرعية.
تعتبر تجارة المخدرات إحدى هذه الوسائل، حيث يظهر النظام السوري تورطاً في تسهيل هذه الأنشطة عبر تقديم الدعم المالي واللوجستي للعناصر المتورطة في هذا المجال. ويعتبر ذلك جزءاً من استراتيجية أوسع يستخدمها النظام لتعزيز نفوذه والبقاء في السلطة رغم الضغوط الدولية والشعبية المتزايدة.
الجهود الدولية في محاربة تجارة المخدرات المرتبطة بالنظام السوري
تعكس الجهود التي يبذلها المجتمع الدولي لمحاربة تجارة المخدرات المرتبطة بالنظام السوري التزاماً صارماً بمكافحة الجريمة المنظمة ودعم الأنشطة القانونية والشرعية. فقد شهدت العديد من الدول والهيئات الدولية تكثيف الجهود لتحديد وفرض عقوبات على الأفراد والكيانات المتورطة في هذه الأنشطة، وتقديم الدعم للسلطات المحلية في سوريا لمكافحة هذه الظاهرة.
وفي هذا السياق، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على 11 فرداً وكياناً يشتبه في دعمهم تجارة المخدرات والحوالات المالية لصالح النظام السوري. ومن بين الأشخاص المستهدفين، يتصدر القائمة طاهر الكيالي، مالك السفينة التي تم اعتراضها في عام 2018 وكانت تحمل كميات كبيرة من الكبتاغون والحشيش. يعكس هذا الإجراء التزام الولايات المتحدة بدعم الجهود الدولية في مكافحة هذه الأنشطة غير القانونية والتصدي لتمويل الأنشطة الإرهابية والجريمة المنظمة.
أهمية التعاون الدولي في مكافحة الجريمة المنظمة
تبرز أهمية التعاون الدولي في مكافحة تجارة المخدرات والجريمة المنظمة، حيث يتطلب التحدي الذي تشكله هذه الأنشطة جهودًا مشتركة وتنسيقًا فعّالًا بين الدول المعنية. يجب على الدول والهيئات الدولية أن تعمل بشكل متكامل لتبادل المعلومات والمخابرات، وتقديم الدعم الفني والتدريب للسلطات المحلية في سوريا لتعزيز قدراتها في مكافحة الجريمة المنظمة.
علاوة على ذلك، ينبغي على الدول الراغبة في تحقيق التقدم في مكافحة تجارة المخدرات المرتبطة بالنظام السوري العمل على تحسين الإجراءات القانونية وتعزيز القدرة على تطبيق القانون. يجب أن تكون هذه الإجراءات ذات فاعلية وفعالية لضمان تقديم العدالة والمحاسبة لأولئك الذين يشاركون في هذه الأنشطة الإجرامية.
علاوة على ذلك، يجب أن تتبنى الدول استراتيجيات شاملة لمكافحة الفساد وتعزيز الشفافية في القطاعات المالية والاقتصادية. فالفساد يلعب دوراً كبيراً في تسهيل أنشطة مثل تجارة المخدرات، وبالتالي يجب على الدول تعزيز النزاهة وتعزيز إجراءات مكافحة الفساد للحد من تلك الأنشطة.
في الختام، يعتبر مكافحة تجارة المخدرات المرتبطة بالنظام السوري تحدياً كبيراً يتطلب التعاون والتنسيق الدوليين لتحقيق النجاح. يجب على الدول المعنية أن تتخذ إجراءات قوية وفعالة للحد من هذه الأنشطة غير القانونية والتصدي لتمويل الجريمة المنظمة والإرهاب. من خلال جهودها المشتركة، يمكن للمجتمع الدولي أن يسهم في تحقيق الاستقرار والسلام في سوريا والمنطقة بأسرها.