كتب د. مازن خديجة هذه الإضاءة المفيدة بتاريخ 25/آذار/2024، لنشرها في موقع القبة الوطنية السورية بالمزامنة مع نشرها في موقع (https://maalat.com).
تمهيد:
بعد أن تعرَّضت القوات الأمريكية في سوريا والأردن منذ 17 تشرين الأول 2023 للهجوم ما يقرب من 180 مرة من من قبل ميليشبات عراقية مختلفة، بدأت واشنطن تطلب من رئيس الوزراء “السوداني” أنْ يثبت أنَّ دوره أكثر من مجرد “مدير عام” لعصابة من الإرهابيين تدير العراق “. وقد وضعت له خارطة طريق متضمنة عدة توصيات كي يكون مقبولاً من قبل الإدارة الأمريكية إذا أراد متابعة توليه هذا المنصب الحالي، ومنها:
- يجب على رئيس الوزراء العراقي استعمال قوة منصبه في إدارة العراق وألا يتعامل بخنوع مع الجماعات الإرهابية والميليشيات داخل حكومته. وإذا فشل في ذلك، تعتبره واشنطن أنه لا ينوي الخروج من ضغط رعاة الإرهاب عليه.
- يجب طرد عناصر “كتائب حزب الله” من القيادة العليا لقوات “الحشد الشعبي”.
- ييجب اجتثاث “كتائب حزب الله” من الأنظمة المالية والصناعية.
- يجب محاكمة منفذي هجمات 27 كانون الثاني/يناير بتهمة الإرهاب وقضاء مدة عقوباتهم كاملة.
- توقيع إتفاقية مع الجار السوري لحماية الحدود بما يكفل حماية القوات الأمريكية المتواجدة في أرضهما.
وبالفعل، تمَّ تنفيذ ذلك الطلب الذي وجه للطرفين العراقي والسوري بآن واحد، وجاءت أول زيارة علنية قام بها محمد شياع السوداني رئيس وزراء العراق إلى دمشق ولقائه مع الرئيس السوري بشار الأسد في شهر تموز 2023 تحت غطاء توقيعهما عدة اتفاقيات بين النظام السوري وحكومة العراق، وبعد عودة رئيس الوزراء إلى بغداد للأسف الشديد بدأت حملة اعتقال للاجئين السوريين في المحافظات العراقية والحكم عليهم بالسجن بحجة أنهم دخلوا إلى العراق بطرق غير مشروعة على اختلاف أنواعها، ومن ثمَّ بدأوا بالترحيل”. ومن الدير بالذكر، أنَّ معظم الذين يتم ترحيلهم إما هاربون من الخدمة العسكرية أو سياسيون، مما يثير الشك أنَّ الجهات الأمنية السورية هي التي تطلب أشخاص بعينها لتصفيتهم.
يقول “السوريون الذين يتم ترحيلهم يتكونون من فئات، الأولى تضم الهاربين من الخدمة العسكرية والسياسيين وهؤلاء قد تصل عقوبتهم للإعدام، ويوجد 3 من بين ال 15 الذين تم ترحيلهم حتى الآن مفقودين ولا نعلم أين هم وما هو مصيرهم؟”.
ويستضيف العراق وفقا لبيانات الأمم المتحدة قرابة 260 ألف لاجئ سوري، الغالبية العظمى منهم تقيم في إقليم كردستان العراق.
إضاءة قانونيَّة على هذا الحدث
تتناول هذه المقالة الأسس القانونية التي تحظر ترحيل اللاجئين السوريين من العراق بشكل تعسفي، وتستعرض المخاطر التي قد يواجهها اللاجئون في حال تم ترحيلهم. كما تبحث الإجراءات القانونية والدبلوماسية التي يمكن اتخاذها لحماية حقوق اللاجئين ومنع ترحيلهم.
المقدمة:
منذ اندلاع الثورة السورية في مارس 2011، شهدت سوريا تحولات جذرية أثرت على مسارها التاريخي والإنساني. بدأت الثورة بمظاهرات سلمية تطالب بالديمقراطية والحريات السياسية، لكن سرعان ما تصاعدت إلى نزاع مسلح أدى إلى تدخلات دولية وإقليمية معقدة ، وقد أسفرت هذه الأزمة عن خسائر فادحة في الأرواح والبنية التحتية، وتشريد الملايين من السوريين داخل وخارج البلاد.
وتشير الإحصائيات إلى أن عدد اللاجئين السوريين المسجلين عالمياً قد بلغ 6.7 مليون لاجئ، مما يجعلهم أكبر جماعة لاجئين في العالم
وفقًا للأمم المتحدة، يُقدّر عدد النازحين داخل سوريا بنحو 6.9 ملايين نازح، بينما فرّ نحو 5.5 ملايين لاجئ إلى دول الجوار وأوروبا . تستضيف تركيا أكبر عدد من اللاجئين السوريين، بأكثر من 3.4 ملايين لاجئ ، في العراق وحده، يوجد حوالي 249,726 لاجئ سوري ويعيش الكثير منهم في ظروف صعبة، مع تزايد المخاطر مثل عمالة الأطفال وتزويج القصر ، مما يزيد في التأثير على حياة اللاجئين، و يجعل الحاجة إلى الدعم الدولي ملحة للغاية.
الإطار القانوني الدولي:
الإطار القانوني الدولي لحماية حقوق اللاجئين يتأسس بشكل أساسي على اتفاقية اللاجئين لعام 1951 وبروتوكولها لعام 19671. هذه الوثائق تحدد من هو اللاجئ وتضع المعايير اللازمة لحمايتهم، بما في ذلك الحق في عدم الإعادة القسرية، والحق في الحصول على التعليم والرعاية الصحية والعمل .
و لكن تجدر الإشارة إلى أن دولة العراق لم تقم بالتوقيع أو الانضمام للاتفاقية المذكورة أعلاه أو التصديق عليها .
في العراق، يتمتع اللاجئون بالحماية بموجب الدستور العراقي وقانون اللاجئين السياسيين رقم 51 لعام 19712. هذا القانون يتوافق مع المعايير الدولية ويوفر الأساس القانوني لحماية اللاجئين في البلاد. ومع ذلك، قد تواجه تطبيق هذه القوانين تحديات على أرض الواقع، خاصة في ظل الظروف الأمنية والاقتصادية الصعبة.
تلعب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين UNHCR دوراً محورياً في الإشراف على تطبيق اتفاقية اللاجئين وتقديم المساعدة والحماية للاجئين في العراق ،تعمل المفوضية مع الحكومة العراقية والمنظمات الدولية الأخرى لضمان حماية اللاجئين وتوفير الدعم اللازم لهم حيث أنه من المهم أن تستمر الدول والمنظمات الدولية في التعاون لضمان تطبيق القوانين والمعاهدات الدولية بشكل فعال، وأن تعمل على تحسين الظروف المعيشية للاجئين وتوفير الحلول الدائمة لهم. هذا التعاون يجب أن يشمل تبادل الخبرات والممارسات الجيدة، وتقديم الدعم المالي والفني للدول المضيفة للاجئين، وتعزيز الحوار مع الدول المصدر للاجئين لتحسين الأوضاع وتمكين العودة الطوعية الآمنة.
يُعتبر ترحيل اللاجئين السوريين من العراق إجراءً يتعارض مع مبادئ القانون الدولي، خاصةً مع مبدأ عدم الإعادة القسرية الذي يعد جزأً لا يتجزأ من القانون الدولي يحظر هذا المبدأ على الدول ترحيل الأشخاص إلى بلدان يواجهون فيها خطر التعرض للاضطهاد أو التعذيب أو أي معاملة قاسية أو لاإنسانية أو مهينة.
المخاطر الناجمة عن قيام العراق بترحيل اللاجئين السوريين قسرياً و تسليمهم للنظام:
اللاجئون السوريون الذين يتم ترحيلهم قسرياً من العراق إلى سوريا يواجهون مخاطر جمة قد تهدد حياتهم وسلامتهم. من بين هذه المخاطر:
- الاعتقال والاحتجاز: هناك تقارير تشير إلى أن العديد من اللاجئين الذين يعودون إلى سوريا يتم اعتقالهم فور وصولهم، مما يعرضهم لخطر التعذيب أو سوء المعاملة.
- الانتهاكات الحقوقية: اللاجئون العائدون قد يواجهون انتهاكات حقوقية مثل التمييز، الاضطهاد، أو حتى العنف على يد السلطات أو جماعات مسلحة .
- الظروف المعيشية القاسية: العديد من اللاجئين يعودون إلى بيئة مدمرة بسبب الحرب، حيث البنية التحتية متهالكة والخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم شبه معدومة .
- الأمن الغذائي والفقر: يعاني اللاجئون من انعدام الأمن الغذائي والفقر المدقع، مما يؤثر سلباً على صحتهم البدنية والنفسية .
- الصحة النفسية: العديد من اللاجئين يعانون من مشاكل نفسية مثل القلق والاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة، وقد تتفاقم هذه المشاكل بعد العودة إلى بيئة مليئة بالتوتر والصراع.
- التحديات التعليمية: الأطفال اللاجئون يواجهون صعوبات في الحصول على التعليم الجيد، وقد يضطرون للعمل لدعم أسرهم، مما يحرمهم من فرصة التعلم .
لذلك من الضروري أن يتم تقديم الدعم الكافي للاجئين السوريين في العراق لضمان حمايتهم من هذه المخاطر.
ما الذي يمكن فعله لمنع العراق من ترحيل السوريين قسرياً؟
الإجابة على هذا السؤال، يلزمنا التوسع في دراسة المشهد من كل جوانبه المجتمعية والمعيشية والسياسية والاقتصادية. ولكننا سنوجز هنا ما يتعلق بالنواحي الإنسانية التي ينبغي على كل المنظمات الدولية، وعلى جميع الناشطين في المجال الإنساني و دعم قضايا اللاجئين بذلك الجهود الممكنة وفق ما يلي:
- الضغط الدولي: العمل مع المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين لتجديد الالتزام بدعم اللاجئين والمجتمعات المضيفة .
- التوعية والمناصرة: تنظيم حملات توعية لإبراز الأوضاع الصعبة التي يعيشها اللاجئون والمخاطر التي قد يواجهونها عند العودة.
- الدعم القانوني: توفير الدعم القانوني للاجئين وضمان حقهم في الاستئناف ضد قرارات الترحيل .
- التعاون الإقليمي: العمل مع الدول المضيفة الأخرى لتنسيق الجهود وتعزيز الاستقرار لدعم اللاجئين.
- الدعم المادي والمعنوي: تقديم الدعم المادي والمعنوي للاجئين لتحسين ظروفهم المعيشية وتعزيز استقلاليتهم.
من المهم العمل على جميع هذه الجبهات لضمان حماية اللاجئين وحقوقهم و حصوصاً من ناحية الدعم القانوني و حقهم بالاستئناف أو اختيار بلد آخر لإعادة التوطين.
التوصيات:
تقتضي هذه الأحداث الخالفة للقيم الإنسانية والقوانين الإشتراعية على وجوب الالتزام بالقانون الدولي وحماية حقوق اللاجئين السوريين لضمان حماية هؤلاء اللاجئين وتجنب الإعادة القسرية.
ونقترح أن يُوصى بما يلي:
- التزام الحكومات بالمعايير الدولية: يجب على الحكومات الالتزام بمبادئ القانون الدولي، خاصةً مبدأ عدم الإعادة القسرية، وضمان تطبيق هذه المعايير في سياساتها الوطنية.
- تعزيز الدعم القانوني للاجئين: يجب توفير الدعم القانوني للاجئين لضمان حقهم في الاستئناف ضد قرارات الترحيل والحصول على الحماية.
- تحسين آليات المراقبة والمساءلة: يجب على المنظمات الدولية تحسين آليات المراقبة للتأكد من أن الدول تحترم التزاماتها الدولية وتقديم التقارير بشأن أي انتهاكات.
- تقديم الدعم المالي والفني: يجب على المجتمع الدولي تقديم الدعم المالي والفني للدول المضيفة لتعزيز قدرتها على استضافة اللاجئين وتوفير الحماية اللازمة لهم.
- تشجيع التعاون الإقليمي: يجب تشجيع التعاون بين الدول المضيفة للاجئين لتبادل الخبرات والممارسات الجيدة في مجال حماية اللاجئين.
- تعزيز الحوار مع الدول المصدر للاجئين: يجب على المنظمات الدولية تعزيز الحوار مع الحكومة السورية والأطراف المعنية والضغط عليهم لضمان أمن و سلامة اللاجئين المرسلين قسرياً لتحسين الأوضاع داخل سوريا وتمكين العودة الطوعية الآمنة.
- التوعية والتثقيف: يجب تنظيم حملات توعية لرفع مستوى الوعي بحقوق اللاجئين والتحديات التي يواجهونها، وتثقيف الجمهور حول أهمية الحماية الدولية.
من خلال تنفيذ هذه التوصيات، يمكن للحكومات والمنظمات الدولية العمل معًا لضمان حماية اللاجئين السوريين وتجنب الإعادة القسرية، مما يساهم في استقرار المنطقة وحماية حقوق الإنسان.
في الختام:
في ظل تسابق العديد من الدول المستضيفة للاجئين السوريين للتطبيع مع نظام الأسد و تصاعد التيارات المعادية للاجئين في هذه الدول لا بد من التأكيد أنه من الضروري أن تلتزم الدول المضيفة للاجئين بمسؤولياتها الدولية وأن توفر الحماية لهم بما يتوافق مع القانون الدولي للاجئين. الترحيل القسري للاجئين السوريين لا يُعد فقط انتهاكاً للقانون الدولي، بل يُعرض حياة الأفراد للخطر ويتنافى مع مبادئ الإنسانية الأساسية.
تعليقات 1