تواجه الساحة السورية تحولات إقليمية مصيرية تتسارع بشكل يومي، لكونها تفرز مستجدات تؤثر بشكل كبير على الأوضاع الأمنية والسياسية في البلاد. ومثال على أحد هذه التحولات، هو بروز رحيل “مسار أستانا” كمفصل رئيسي في المشهد السوري، إذ أعلنت كازاخستان عن انتهاء الجولة 21 من هذا المسار، مما أثار تساؤلات حول التداعيات المحتملة على المنطقة.
محادثات أستانا لم تكن سوى آلية دبلوماسية ثلاثية الأطراف، تشارك فيها روسيا وتركيا وإيران، بهدف تحقيق تسوية سياسية في سوريا. استمر هذا المسار لعدة جولات، حقق خلالها بعض النجاحات، ولكنه أيضاً واجه تحديات كبيرة، لأنَّ الإعلان عن انتهاء هذا المسار جاء بشكل مفاجئ، مستبطناً الأسباب الحقيقية والتداولات الدبلوماسية التي دفعتهم إلى اتخاذ ذلك القرار.
لكنَّ ما أكدته وزارة الخارجية الكازاخستانية يشي بأن الاجتماع الأخير حقق أهدافه، خاصة بعد خروج النظام السوري من عزلته وعودته إلى الجامعة العربية، ومع ذلك، يظهر تأكيد المبعوث الروسي ألكسندر لافرنتييف على عدم ارتباط المسار ببلد معين، وإعلان الدول الضامنة عن استمرار التحاور، ولوَّح بأن هناك تفاصيل لم تُفصح عنها تتعلق بالأسباب الفعلية وراء انتهاء مسار أستانا.
في الحقيقة، يتزايد اليوم الاهتمام بتأثير هذا الانتهاء المفاجئ على الأوضاع السورية، خاصة في ظل الشكوك حول احتمالية انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة، مما يطرح بزوغ تطورات هامة حول بروز تحديات جديدة وتجاوزات ملحوظة للأزمة السورية، وبدأت الدول الضامنة، وعلى رأسها روسيا وتركيا وإيران، تتسائل عن كيفية التعامل مع هذه التحديات الجديدة وما هي الوسيلة التي ستكفل تأمين استقرار المنطقة؟
ومن الجدير أنْ ننوه هنا عن الجوانب المهمة لهذا التحول الإقليمي الذي طرأ على العلاقات بين الدول الضامنة، حيث أدى إلى تصعيد التوتر بين إيران وتركيا في صراعهما لمن ستكون بيده الورقة السورية؟ خاصة منطقة إدلب مع حواضرها، مما يشير إلى ضرورة تعزيز التنسيق والحوار بين الدول ذات العلاقة بالشأن السوري لتجنب التصعيد والصدامات.
من الناحية الإيرانية، تستغل طهران قرار إنهاء أستانا 21 كي تتفرد في تعزيز حضورها العسكري في سوريا، وتكثف نقل المعدات والصواريخ، مستفيدة من فقدان قنوات التنسيق الأمني بين الدول. وأن يُفيد هذا التحرك الإيراني المستجد أنْ يضع التحديات الأمنية في خارطة طريق التسوية السياسية المستقبلية، ويجعل التنسيق بين الدول الضامنة أمراً حيوياً لتجنب التصعيد وضمان الاستقرار.
في الوقت الحالي، يظهر أن جولة أستانا 21 لم تحمل تطورات ملموسة، ولكنها أكدت على أهمية المسار في تحقيق الحد الأدنى من الاستقرار في إدلب، ووضع أسس لتفادي التصعيد بين الأطراف الدولية الفاعلة في سوريا.
مع استمرار الحديث عن احتمالية انسحاب الولايات المتحدة من سوريا، يزداد الاهتمام بتعزيز التواصل والتنسيق بين الدول الضامنة، التي تتشارك جميعها في الانتشار العسكري على الأراضي السورية. لذلك يصبح من الضروري تنسيق الجهود وتبادل الرؤى استعداداً لسيناريو انسحاب أميركي محتمل، لتجنب حدوث تصعيدات تخيب آمال ذوي العلاقة بالشأن السوري.
الخاتمة:
عمومًا، كانت الجولة الحادية والعشرون من محادثات أستانا لا تحمل أي تطورات بارزة، حيث كانت البواعث الرئيسية تتمثل في دفع الجهود نحو استعادة الهدوء في محافظة إدلب. ورغم عدم حدوث أي مستجدات ملموسة، إلا أنها أكدت في الوقت نفسه على أهمية استمرار هذه الآلية للحفاظ على الاستقرار بحدود دنيا في المنطقة التي وضعت أسُساً لتجنب التصعيد والتصادم بين الأطراف الدولية الفاعلة في الأزمة السورية.