تشهد محافظة إدلب وريفها، شمال غربي سوريا، خلال الأشهر الماضية تصاعدًا ملحوظًا في حملات القصف المتكررة التي يشنها النظام السوري وحلفاؤه. يطرح هذا الوضع تساؤلات حول إمكانية انهيار التهدئة الحالية في المحافظة، وهل قد يؤدي ذلك إلى اندلاع مواجهات مفتوحة بين الأطراف المتصارعة.
منذ ثلاثة أشهر، تتعرض إدلب لقصف عنيف باستمرار، يشمل مختلف أنواع الأسلحة، بما في ذلك القنابل الفوسفورية التي ظهرت للمرة الأولى منذ عام 2021. وقد استهدفت الحملات مواقع مدنية وعسكرية واقتصادية في أرياف حلب وإدلب. شاركت في هذه الهجمات طائرات حربية روسية، وقوات المدفعية التابعة للنظام، التي يشرف على إدارتها قادة من حزب اللات اللبناني والحرس الثوري الإيراني.
موازين القوى تتغير مع تصاعد التوتر، حيث قامت القوات التركية المتمركزة في ادلب بالرد على بعض مصادر النيران بعد القصف المستمر، وتعرضت إحدى قواعدها غربي حلب للاستهداف المباشر. حيث يُشير التقرير إلى أن التصعيد بدأ بعد هجوم على الكلية الحربية في حمص في تشرين الأول 2023، ومن ثم جرت سلسلة من الهجمات والقصف العنيف. ورغم تآكل وقف إطلاق النار الحالي، إلا أن “أطراف النزاع” تواصل القتال عبر هجمات برية وجوية منتظمة منذ منتصف عام 2023.
تتطلع الأوساط السياسية والعسكرية إلى معرفة ما إذا كان النظام السوري يسعى لوقف الهجمات المستمرة على مواقعه أم يستمر في التركيز على استهداف المدنيين بهدف دفعهم لفرض ضغوط على المعارضة وتحميلها المسؤولية عن انهيار التهدئة. يركز النظام أيضًا على تدمير معدات وآليات وأسلحة المعارضة لتقويض قوتها العسكرية.
من جهة أخرى، تدعم روسيا وإيران تصعيد النظام في إدلب، مما يزيد من التوتر بين تركيا والنظام، خاصة بعد تعزيز تعاون تركيا مع الولايات المتحدة شرق الفرات. تبدو هذه التطورات جزءًا من محاولة النظام لفرض ضغوط دبلوماسية على تركيا لاستئناف التفاوض، بينما تُعتبر استهداف القوات التركية لمواقع النظام رسالة تحذير حول جاهزيتها للرد على أي تصعيد من قبل النظام وحلفائه.
روسيا والنظام يبتكرون استراتيجية الضغط السياسي والاقتصادي
تبدو إدلب اليوم وكأنها ساحة معركة ساخنة يشتد فيها التوتر، حيث يرى البعض أن النظام السوري ليس قادرًا حاليًا على شن هجمات عسكرية واسعة النطاق باتجاه المناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية. يظهر سيناريو التصعيد الحالي بمثابة تحد جديد، حيث يسعى النظام وحليفته روسيا إلى تحقيق أهدافهما من خلال استخدام وسائل غير تقليدية.
وفقًا لتقرير سابق يتجلى سيناريو التصعيد في سعي روسيا والنظام لإحداث فوضى وعدم استقرار في إدلب، بهدف استنزاف القوى العسكرية والمدنية، ومنع العودة الآمنة للمدنيين إلى منازلهم. يبرز المحللون أيضًا أن هذه الاستراتيجية تستهدف إشغال الأطراف المحلية والتأثير في حياتهم اليومية، بالإضافة إلى تجنيب النظام المسؤولية عن الأوضاع الاقتصادية والخدمية الصعبة داخل مناطق سيطرته.
في حديثه حول الوضع، أشار المحلل العسكري العقيد عبد الجبار العكيدي إلى أن النظام يعتمد على التوتر والتصعيد السياسي والاقتصادي لتشتيت الانتباه عن مشاكل المدنيين وتجنب التصعيد العسكري الذي قد يكون محدودًا بموجب الاتفاقيات الدولية.
رغم الوضع الراهن، يظل السؤال معلقًا حول مدى جدية النظام السوري وحليفته روسيا في تنفيذ خططهما، وسط تشدد الرقابة الدولية وتأثير الدول الضامنة على إدلب، خاصة تركيا وروسيا.
يرى التقرير أن انزلاق الأطراف في إدلب إلى مواجهة مفتوحة قد لا يكون ممكنًا حاليًا، وذلك نظرًا لعدم جاهزية النظام وتركيا للانخراط في صدام واسع. ورغم ذلك، فإن استمرار التصعيد والقصف المتبادل قد يؤدي تدريجيا إلى انهيار التهدئة وتوسيع نطاق الاشتباكات على الأرض خصوصا في ادلب.