تتواصل حالة الفوضى والانقسام داخل ما يُعرف بـ”الحرس الوطني” في محافظة السويداء، التشكيل الذي أسّسه الخائن حكمت الهجري عقب سقوط نظام الأسد على أيدي الثوار، في وقت تعمل فيه الحكومة السورية الجديدة على حلّ الملفات العالقة في المحافظة، وإعادة دمجها في مؤسسات الدولة.
لكنّ الهجري يبدو مصمماً على رفض أي تعاون مع السلطة الجديدة، مفضلاً السير في طريقٍ منفصلٍ يسعى من خلاله إلى إنشاء كيانٍ مستقل في الجنوب السوري.
عندما أطلق الهجري مشروع “الحرس الوطني”، رُوّج له على أنه مبادرة لحماية السويداء وضمان أمنها بعيداً عن فوضى الحرب.
غير أنّ الواقع سرعان ما كشف وجهاً آخر لهذا المشروع، إذ ضمّ خليطاً من ضباطٍ سابقين في النظام البائد، وعناصر من فصائل محلية متناحرة، دون رؤية سياسية أو أمنية موحدة، ما جعله كياناً هشاً يسير على حافة الانفجار الداخلي.
ومع مرور الوقت، بدأ “الحرس الوطني” يتحول إلى أداة سياسية بيد الهجري، تُستخدم لترسيخ نفوذه وفرض واقعٍ انفصالي على الأرض، تحت غطاء “الاستقلال الإداري” عن الدولة.
تفاقمت الأزمة مؤخراً بعد زيارة وفد أميركي إلى السويداء، ولقائه بعدد من شخصيات “الحرس الوطني” دون علم قائده العميد جهاد الغوطاني.
الاجتماع أثار غضب الغوطاني، الذي اعتبر الخطوة تجاوزاً عسكرياً متعمداً من قبل المقربين من الهجري، وعلى رأسهم طارق المغوش وطارق خويص.
الجدال بين الطرفين سرعان ما تحوّل إلى اشتباكٍ مسلحٍ داخل مبنى الفرقة 15 وسط المدينة، المقرّ الرئيس للحرس الوطني، ما كشف بوضوح حجم الانقسام داخل التشكيل وتضارب الولاءات بين أجنحته.
إجراءات شكلية لا تُخفي الانهيار
في محاولة لاحتواء الموقف، أصدر الغوطاني قرارات بحلّ المكتب الأمني وإحالة عدد من القادة إلى لجنة قضائية تابعة للهجري نفسه، في خطوةٍ وصفها مراقبون بأنها إجراء صوري لتغطية الفشل.
لكنّ الأسماء المستهدفة رفضت المثول أمام اللجنة، مؤكدة أنها “النواة المؤسسة” للحرس الوطني، وأن الغوطاني لا يمتلك شرعية القيادة.
وهكذا تحوّل “الحرس الوطني” إلى تشكيل ممزق تتنازعه الأوامر، في ظل قيادةٍ دينية متهمة بالسعي إلى تفكيك السلطة المركزية وبناء كيان خاص يخدم مصالح محدودة لا تمثل أبناء الجبل.
في خضمّ هذا الانقسام، تزايدت الأحاديث عن علاقات خارجية للهجري مع أطرافٍ إسرائيلية، خصوصاً بعد ظهوره في تصريحات علنية شكر فيها إسرائيل وطالب بتحقيق دولي في أحداث السويداء.
هذه التصرفات اعتبرها مراقبون خروجاً على الإجماع الوطني، ومحاولة لربط مصير السويداء بجهاتٍ معادية للشعب السوري، بدل العمل مع الحكومة الجديدة التي فتحت أبواب الحوار والتسوية.
وبينما تسعى الدولة لإعادة إعمار الجنوب وتحسين حياة المواطنين، يصرّ الهجري على اللعب بورقة الانفصال وفتح قنوات مع جهات ارتكبت جرائم بحق أطفال غزة والسوريين، في خيانة علنية.
إن ما يجري داخل “الحرس الوطني” لم يعد مجرد خلافٍ بين قادة، بل انعكاسٌ مباشر لمحاولة الهجري فرض مشروعه الخاص على حساب وحدة الوطن.
فبينما يعمل أبناء السويداء على إعادة بناء مدينتهم بالتعاون مع مؤسسات الدولة الجديدة، يصرّ الهجري على إشعال الانقسام وقطع الجسور مع دمشق، تحت شعاراتٍ فارغة لا تخدم سوى مصالحه الشخصية.
ويرى مراقبون أنّ استمرار هذا النهج يعني جرّ المحافظة نحو العزلة السياسية والانفجار الأمني، وهو ما قد يفتح الباب أمام تدخلاتٍ أجنبيةٍ تهدد مستقبل الجنوب السوري بأكمله.
خاتمة: السويداء لا تحتاج إلى قائدٍ يُقسمها
لقد أثبتت الأحداث أن حكمت الهجري لم يكن يوماً مشروع خلاص، بل أداة لإدامة الفوضى والانقسام.
من رفض التعاون مع الدولة، وسعى لإنشاء كيانٍ خاص، ووضع يده بيد أعداء الوطن، لا يمكن أن يُسمّى زعيماً ولا ممثلاً عن الجبل.
السويداء اليوم بحاجةٍ إلى عقلاء يعيدونها إلى حضن الوطن، لا إلى قادةٍ يجرّونها إلى الهاوية باسم الدين أو الطائفة أو “الاستقلال”.