في ليلة وُصفت بالتاريخية، نجحت حملة “الوفاء لإدلب“ الإنسانية بجمع 208 ملايين دولار أميركي خلال حفل جماهيري أقيم مساء الجمعة في ملعب إدلب البلدي، بحضور رسمي وشعبي واسع، وتفاعل لافت من السوريين في الداخل والخارج. هذا الإنجاز غير المسبوق جعل الحملة تحطم رقماً قياسياً بين المبادرات الشعبية التي شهدتها سوريا في السنوات الأخيرة.
تأتي أهمية الحملة من حجم المأساة الإنسانية التي تعيشها محافظة إدلب نتيجة الدمار والنزوح المستمر منذ أكثر من عقد. فقد حُرم مئات الآلاف من الأهالي من العودة إلى قراهم وبلداتهم بسبب غياب البنى التحتية والخدمات الأساسية، بينما يعيش عشرات الآلاف في المخيمات تحت ظروف قاسية.
ورغم أن قيمة التبرعات لا تمثل سوى نسبة ضئيلة مقارنة بتكاليف إعادة إعمار المحافظة التي تُقدَّر بأكثر من 3 مليارات دولار، إلا أن المبلغ يُعد بارقة أمل لآلاف العائلات، إذ سيوجَّه إلى مشاريع خدمية أساسية تُعزز صمود السكان وتُمهّد الطريق لعودة المهجّرين.
حضور رسمي ورسائل سياسية
شهد الحفل مشاركة واسعة لشخصيات رسمية، كان أبرزها حضور الرئيس السوري أحمد الشرع، الذي ألقى كلمة مؤثرة فور عودته من اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. الشرع وصف إدلب بأنها “الأم التي فاء إليها أبناؤها” وأكد أن “دينها في عنق سوريا كبير”، داعياً إلى إعادة إعمارها وإنهاء معاناة المخيمات بشكل كامل.
كما شارك في المناسبة وزراء الداخلية، والإعلام، والطوارئ وإدارة الكوارث، والثقافة، والتنمية الإدارية، والصحة، والرياضة والشباب، إلى جانب ممثلين عن منظمات المجتمع المدني. هؤلاء أشادوا بالدور الذي لعبته إدلب في احتضان أكثر من 3 ملايين نازح خلال السنوات الماضية، وقدموا بدورهم مساهمات مالية مباشرة.
كشف القائمون على الحملة حجم الدمار الذي أصاب المحافظة خلال السنوات الأربع عشرة الماضية:
تضرر أكثر من 250 ألف منزل.
خروج 800 مدرسة عن الخدمة.
تدمير أو إغلاق 430 مسجداً.
انهيار 116 شبكة صرف صحي.
وبحسب الأمم المتحدة، فإن 25% من السوريين الأكثر حاجة يقيمون اليوم في إدلب وحدها، ما يجعلها في قلب الملف الإنساني السوري.
أبرز التبرعات والتعهدات
سُجلت خلال الحملة مساهمات ضخمة من منظمات إنسانية ورجال أعمال سوريين، أبرزها:
صندوق الأمم المتحدة الإنمائي: 14 مليون دولار.
منظمة الأمين الإنسانية: 10.1 مليون دولار.
الجمعية الطبية السورية الأميركية (سامز): 9 ملايين دولار.
هيئة الإغاثة الإنسانية: 6 ملايين دولار.
منظمة شفق: 5 ملايين دولار.
منظمة عطاء: 5 ملايين دولار.
منظمة العمل من الأجل الإنسانية: 4 ملايين دولار.
المنتدى السوري: 2.5 مليون دولار.
أما على صعيد الأفراد، فقد تبرّع رجل الأعمال السوري غسان عبود بمبلغ ضخم بلغ 55 مليون دولار، فيما ساهم رجل الأعمال أيمن أصفري بـ 10 ملايين دولار. كما شاركت شركات محلية من إدلب وباقي المحافظات في دعم الحملة.
أوضح المنظمون أن خصوصية الحملة تنبع من خصوصية إدلب ذاتها، التي احتضنت المهجّرين من مختلف المحافظات السورية. وسيتم تشكيل لجنة محلية تشرف على صرف الأموال وفق خطة واضحة، تركز على إعادة تأهيل المدارس، والمراكز الصحية، والبنى التحتية، وشبكات الصرف الصحي، بما يضمن تحسين الظروف المعيشية للسكان.
رغم إدراك الجميع أن المبلغ المُجمَّع لا يكفي لتغطية حجم الدمار الهائل، إلا أن الحملة أعادت الأمل لآلاف السوريين بجدوى التضامن الشعبي، وأكدت أن إدلب ما زالت قادرة على أن تكون عنواناً للصمود والوفاء، ومرتكزاً لمشروع إنساني واسع يعيد الحياة إلى مدن وبلدات أنهكتها الحرب.