أعلنت وزارة الخارجية السورية عن توقيع اتفاق ثلاثي بين دمشق وعمان وواشنطن لرسم خارطة طريق جديدة لمعالجة ملف محافظة السويداء، في خطوة تعكس إرادة حكومية واضحة لإعادة الأمن والاستقرار وتعزيز المصالحة الوطنية. إلا أن هذا المسعى اصطدم بموقف رافض من “اللجنة القانونية العليا” التابعة لشيخ العقل حكمت الهجري، التي أعلنت رفضها القاطع للاتفاق، ما يضع المحافظة أمام مفترق طرق حساس.
تؤكد الحكومة السورية أن الاتفاق، المدعوم من الأردن والولايات المتحدة، يقوم على مبادئ أساسية أبرزها حماية المواطنين، ضمان حقوقهم، عودة الخدمات الأساسية، وتعزيز الوحدة الوطنية. كما يتضمن ترتيبات أمنية تدريجية، ومساءلة قضائية للمخالفين، وإشراك المجتمع المحلي في مجالس مصالحة ومؤسسات مدنية، بما يعيد دمج السويداء في الدولة السورية بشكل متوازن وعادل.
ويرى خبراء أن تعيين شخصيات محلية مثل سليمان عبد الباقي في مواقع أمنية وإدارية يبعث برسالة طمأنة لأهالي المحافظة، ويؤكد جدية الدولة في مراعاة حساسيات المجتمع المحلي أثناء تنفيذ بنود الخارطة.
على الرغم من هذه الجهود، أعلنت اللجنة التابعة للهجري رفضها الكامل للاتفاق، معتبرة أنه “وصاية على السويداء” ومطالبة بخيارات مثل الإدارة الذاتية أو حتى الانفصال. هذا الموقف، بحسب مراقبين، يعكس رغبة في عرقلة أي مسار تسوية حقيقية، ويضع أبناء المحافظة أمام خيارات ضيقة قد تزيد من عزلتهم وتفتح الباب أمام تدخلات خارجية، لا سيما الإسرائيلية.
ويشير محللون إلى أن 90% من أهالي السويداء يبدون ترحيباً بخطوات الحكومة، فيما يمثل الرفض الصادر عن اللجنة حالة سياسية ضيقة لا تعكس إرادة الأغلبية، لكنها قادرة على تعطيل التنفيذ وخلق حالة من الانقسام الداخلي.
من جهته، شدد وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي على أن استقرار الجنوب السوري ضرورة لأمن الأردن، مؤكداً دعم بلاده لجهود دمشق في المصالحة الوطنية. كما شدد المبعوث الأميركي توماس باراك على التزام بلاده بدعم العملية وضمان حماية المدنيين. ويُنظر إلى هذا الدعم على أنه محاولة لإغلاق الباب أمام محاولات الانفصال المدعومة من قوى خارجية.
التحدي الحقيقي:
خارطة الطريق تواجه تحديات على رأسها الموقف الرافض للهجري، إلى جانب الضغوط الإقليمية والاحتياجات الأمنية والاقتصادية. إلا أن المراقبين يجمعون على أن نجاح الدولة في المضي بخطوات التنفيذ، مع إشراك المجتمع المحلي وإعادة بناء الثقة، كفيل بإفشال أي مشروع يهدف إلى تقسيم السويداء أو إضعاف سيادة سوريا.
اليوم، تبدو السويداء أمام خيارين: إما المضي بخارطة الطريق التي تفتح الباب أمام الاستقرار والتنمية، أو الارتهان لخطاب رافض يعزل المحافظة عن الدولة ويخدم أجندات خارجية. وبين هذا وذاك، تواصل الحكومة السورية مساعيها لإعادة دمج المحافظة في مؤسساتها وضمان حقوق مواطنيها، فيما يبقى رفض الهجري التحدي الأكبر أمام نجاح التسوية.