في تطور قضائي جديد، أعلنت السلطات الفرنسية عن إصدار سبع مذكرات توقيف دولية بحق شخصيات بارزة من النظام المخلوع، على رأسهم المجرم بشار الأسد وشقيقه ماهر الأسد، إضافة إلى كبار قادة الأجهزة الأمنية والعسكرية، من بينهم علي مملوك، علي أيوب، ورفيق شحادة. الخطوhttps://synadome.org/?p=4853&preview=trueة، التي كشفت عنها وكالة الصحافة الفرنسية اليوم الثلاثاء، تأتي في إطار التحقيقات المتعلقة بالقصف الذي استهدف مركزاً إعلامياً في حي بابا عمرو بمدينة حمص عام 2012، وأسفر عن مقتل الصحفية الأميركية ماري كولفين والمصور الفرنسي ريمي أوشليك، إضافة إلى إصابة عدد من الصحفيين الأجانب الآخرين.
التحقيقات الفرنسية أشارت إلى أن الهجوم لم يكن عملاً عشوائياً، بل جزءاً من خطة مدبرة أقرت في اجتماع رسمي جمع عدداً من كبار ضباط النظام في حمص. الهدف كان إسكات الصحفيين الأجانب الذين وثقوا الجرائم والانتهاكات بحق المدنيين خلال حصار المدينة.
وبحسب ما ورد، فإن استهداف المركز الإعلامي تم بعد رصد نشاط الصحفيين عبر اتصالاتهم واستخدامهم تقنيات البث الفضائي، ليتم توجيه قصف مدفعي مركز على المبنى الذي كانوا يتحصنون فيه.
القصة الكاملة
في 22 شباط/فبراير 2012، فقدت الساحة الإعلامية واحدة من أبرز مراسلاتها الدولية، الصحفية الأميركية ماري كولفين، المعروفة بشجاعتها في تغطية النزاعات. كانت كولفين مراسلة للشؤون الخارجية في صحيفة صنداي تايمز البريطانية منذ 1985، واشتهرت بتغطياتها في مناطق النزاعات العالمية.
قبل ساعات من اغتيالها، ظهرت كولفين في بث مباشر عبر عدة قنوات عالمية من داخل حي بابا عمرو المحاصر، حيث وصفت مشاهد الدمار ومعاناة المدنيين، مؤكدة أن قصف حمص كان “أسوأ صراع واجهته على الإطلاق”. وبعد أقل من يوم، استهدفت قوات النظام المبنى الذي لجأت إليه مع زميلها الفرنسي أوشليك، فقتلا على الفور، بينما نجا المصور البريطاني بول كونروي بأعجوبة.
قضية مقتل كولفين لم تُطوَ سريعاً. ففي عام 2016، رفعت شقيقتها “كات كولفين” دعوى قضائية ضد حكومة النظام السوري أمام محكمة أميركية، متهمة إياها بالقتل المتعمد. وبعد مراجعة الأدلة والشهادات، أصدرت محكمة فدرالية أميركية عام 2019 حكماً تاريخياً قضى بإلزام النظام بدفع 302 مليون دولار كتعويضات مالية لأسرة الصحفية.
نص الحكم أكد أن النظام كان على علم بوجود صحفيين أجانب داخل المركز الإعلامي، بل إن قادة عسكريين احتفلوا بعد نجاح القصف، وهو ما يبرز الطبيعة المتعمدة للجريمة.
تمثل مذكرات التوقيف الصادرة عن القضاء الفرنسي منعطفاً جديداً في مسار محاسبة رموز النظام السوري على جرائمهم. فإدراج بشار الأسد نفسه على قائمة المطلوبين يعني أن المجتمع الدولي بدأ يتعامل بجدية مع فكرة عدم إفلات رأس النظام من المساءلة، بعد عقود من الحصانة السياسية.
كما أن هذه الخطوة توجه رسالة رمزية إلى عائلات الضحايا والصحفيين حول العالم، بأن الجرائم المرتكبة ضد حرية الإعلام لن تسقط بالتقادم، وأن العدالة – وإن تأخرت – يمكن أن تلاحق حتى أعلى المستويات السياسية والعسكرية.
خاتمة
إصدار فرنسا لمذكرات توقيف بحق بشار الأسد وعدد من أركان نظامه يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من الضغوط القانونية والسياسية. ورغم أن تطبيق هذه المذكرات قد يواجه عقبات في ظل التعقيدات الدولية، إلا أنها ترسخ مبدأ أساسياً: أن الجرائم المرتكبة ضد المدنيين والصحفيين في سوريا لن تبقى بلا عقاب، وأن العدالة قد تجد طريقها ولو بعد سنوات طويلة.