في خطوة تعكس سعي الحكومة السورية لإعادة تقديم نفسها إقليمياً ودولياً كمركز استثماري نشط، أعلنت دمشق عن موعد إقامة “المعرض الدولي لإعادة إعمار سوريا” (إعمار)، والمقرر انطلاقه في 29 تشرين الأول/أكتوبر ويستمر حتى 1 تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، في العاصمة السورية.
جاء الإعلان خلال مؤتمر صحفي عُقد في فندق “البوابات السبع” (الشيراتون) بدمشق، بحضور وزراء الاقتصاد والصناعة والطاقة والأشغال العامة والإسكان، في مشهد أراد منظموه أن يكون انعكاساً لتوجه جديد عنوانه: “مرحلة البناء بثقة وثبات”، حسب وصف وزير الاقتصاد والصناعة الدكتور محمد نضال الشعار.
وفي عرضه للمبادئ العامة التي تقوم عليها سياسة الحكومة في هذه المرحلة، شدد الشعار على أن سوريا “تبني دولة حديثة قائمة على السيادة والكفاءة والشفافية”، مشيراً إلى أن مئات المنشآت الصناعية قد عادت للعمل في الآونة الأخيرة، ما يعكس – حسب قوله – بداية تعافٍ تدريجي للاقتصاد الوطني، وسط تحديات هائلة.
أكد الشعار أن الدولة بدأت منذ ما سماه بـ”مرحلة التحرير” العمل على تحريك عجلة الاقتصاد، وتحديث التشريعات، ودعم الصناعات المحلية، مشيراً إلى اعتماد نموذج اقتصادي تنافسي يقوم على الكفاءة وتكافؤ الفرص. كما اعتبر الوزير أن المعرض يشكّل رسالة واضحة بأن سوريا دخلت مرحلة إعادة الإعمار بثقة وبدعم دولي من الدول “الصديقة”.
من جهته، أكد وزير الطاقة المهندس محمد البشير أن سوريا رغم 14 عاماً من الحرب والدمار، لم تفقد إرادتها في النهوض. وأوضح أن الوزارة تعمل على إعادة تأهيل محطات الكهرباء وضخ المياه التي توقفت عن الخدمة لسنوات، إلى جانب مساعٍ لإعادة ربط سوريا بالشبكة الكهربائية الإقليمية لتأمين مصادر طاقة مستقرة.
البشير وجه دعوة مفتوحة إلى “الدول الصديقة” والشركات العالمية للمساهمة في مشاريع الطاقة، خاصة في ظل خطط لبناء محطات توليد كهرباء ضخمة خلال السنوات المقبلة.
أما وزير الأشغال العامة والإسكان المهندس مصطفى عبد الرزاق، فقد شدد على ضرورة إشراك القطاع الخاص في عملية إعادة الإعمار، وتجاوز تبعات الحرب التي عطلت مئات المشاريع. وأكد عبد الرزاق أن الحكومة تتحرك بخطى مدروسة تستند إلى أولويات المواطن، في محاولة لاستعادة الحياة الكريمة في المدن السورية كافة.
كما نوّه إلى أن ملف الإعمار يمثل مسؤولية وطنية تتطلب تضافر الجهود الرسمية والشعبية والدولية، معبّراً عن تقديره لكل من يساهم في دعم هذا المسار.
توقيت تنظيم المعرض، وطبيعة الجهات المشاركة فيه، يوحيان بأنه لا يقتصر على كونه حدثاً اقتصادياً فحسب، بل يحمل رسائل سياسية ضمنية. فمن جهة، تسعى دمشق إلى إظهار قدرتها على تنظيم الفعاليات الدولية واستقطاب الاستثمارات، رغم العزلة الدولية والعقوبات المفروضة عليها. ومن جهة أخرى، يتم الترويج لفكرة “سوريا الموحدة تحت سلطة الدولة”، في وقت تتكثف فيه المفاوضات مع قوى الأمر الواقع في شمال شرق البلاد، كـ”قسد”، حول قضايا السيادة وإعادة الدمج.
من سيشارك؟ ومن سيقاطع؟
رغم الدعوات المفتوحة، ما يزال من غير الواضح مدى مشاركة الشركات الدولية الكبرى، خاصة في ظل استمرار العقوبات الغربية على الحكومة السورية، الأمر الذي قد يُبقي المشاركة محصورة في عدد من الشركات الروسية، الإيرانية، والصينية، إضافة إلى شركات عربية تعمل عبر واجهات تجارية.
خلاصة
“المعرض الدولي لإعادة إعمار سوريا” ليس مجرد تظاهرة اقتصادية، بل هو مؤشر سياسي تحاول دمشق من خلاله القول: إن البلاد دخلت مرحلة التعافي، وإنها منفتحة على الاستثمارات، ومستعدة لاستعادة مكانتها الإقليمية. إلا أن هذا الطموح يصطدم بحقائق سياسية واقتصادية معقدة، أبرزها غياب الاستقرار السياسي الكامل، وغياب التمويل الدولي الواسع، وتواصل عزلة النظام في بعض المحافل الدولية.