في تطور سياسي يعكس حجم التحولات الجارية في الملف السوري، كشف موقع ميدل إيست آي نقلاً عن مصادر مطلعة، أن الولايات المتحدة وتركيا منحتا “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) مهلة زمنية لا تتجاوز ثلاثين يوماً لإنهاء اندماجها الكامل ضمن هيكل حكومة دمشق، وفق اتفاق تم توقيعه في شهر آذار/مارس الماضي مع الرئيس السوري أحمد الشرع.
الاتفاق الموقع بين قسد والرئيس السوري نصّ على دمج الوحدات العسكرية والإدارية التابعة لقسد ضمن مؤسسات الدولة السورية، إلا أن التنفيذ تعثر سريعاً. السبب الرئيسي لهذا التعثر كان مطالبة قسد، وبعض المكونات الكردية الأخرى، بالحكم الذاتي ورفضها الخضوع لسلطة وزارة الدفاع السورية بالكامل. وقد أصرت هذه الأطراف على الاحتفاظ بقيادة وهيكل تنظيمي مستقل، وهو ما اعتبرته دمشق تجاوزاً لسيادة الدولة.
ضغط أمريكي–تركي وتلويح بالعقوبات
بحسب ما كشفته المصادر، لم تعد كل من أنقرة وواشنطن على استعداد لقبول المماطلة. ففي اجتماع مشترك جرى داخل الأراضي السورية الأسبوع الماضي، أبلغ مسؤولون أمريكيون وأتراك قادة قسد أن أمامهم 30 يوماً فقط للانضمام الكامل إلى حكومة دمشق. وتم التوضيح أن وحدات قسد لن تُدمج كلها في الجيش السوري، بل سيتم نزع سلاح الوحدات التي لا تشملها خطة الدمج، وستُحكم السيطرة العسكرية بيد الدولة المركزية.
التحفظ الأكبر من دمشق – وفق المصادر – يتركّز حول “وحدات حماية المرأة” (YPJ)، المتهمة بارتباطها بحزب العمال الكردستاني (PKK)، والتي لا تبدي الحكومة السورية رغبة في دمجها، لما لذلك من تداعيات أمنية وسياسية حساسة.
في هذا السياق، صرّح توماس باراك، السفير الأميركي لدى تركيا والمبعوث الخاص إلى سوريا، بأن الولايات المتحدة لا تدعم أي مشاريع انفصالية، بل تدعو إلى “سوريا موحدة بجيش واحد ودولة واحدة”. وفي تصريحات أدلى بها خلال اجتماعات بنيويورك مع ممثلين عن قسد والحكومة السورية، أشار باراك إلى أن دور بلاده سيقتصر على الوساطة وليس الوصاية، محذرًا من خيارات بديلة في حال فشل التفاهم.
وقال: “لن نبقى إلى الأبد طرفاً مراقباً أو وسيطاً. إذا لم تتفقوا، فلا تتفقوا، لكننا سننسحب، وعلى الجميع تحمّل نتائج خياراتهم”.
من جهة أخرى، تصاعدت التوترات الداخلية في سوريا، خاصة بعد الاشتباكات الأخيرة بين مكونات بدوية ودرزية في محافظة السويداء، والتي أعقبتها غارات إسرائيلية على دمشق. وتخشى تركيا – بحسب مصادر حكومية – أن تؤدي هذه التوترات إلى تمسك قسد بمطلبها بالحكم الذاتي، خاصة في ظل ما تصفه بعض التقارير بعجز النظام عن ضبط الوضع في الجنوب السوري.
في المقابل، أطلق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تصريحات حاسمة داعمة للرئيس أحمد الشرع، قائلاً: “لن نسمح بتقسيم سوريا”. وأضاف خلال زيارته لشمال قبرص أن موقف الحكومة السورية في السويداء يجب أن يُفهم كرسالة ردع حازمة لقسد مفادها أن لا مساومة على وحدة الدولة.
مخاوف تركية من البنية العسكرية لقسد
خلال الاجتماع الثلاثي الأخير، طالبت أنقرة من “وحدات حماية الشعب” (YPG) – الذراع العسكرية الأبرز لقسد – بالكشف عن تفاصيل شبكات الأنفاق المنتشرة على طول الحدود السورية-التركية، إضافة إلى تقديم بيانات حول مستودعات الأسلحة الموجودة في المناطق المدنية، وهو ما يعكس قلقاً تركياً متصاعداً من استخدام هذه البنى التحتية لأغراض هجومية.
حتى اللحظة، لم ترد الحكومة التركية على استفسارات ميدل إيست آي بشأن هذه المطالب، مما يضيف مزيداً من الغموض حول مسار المفاوضات الجارية.
رغم حالة الجمود، يبدو أن بعض المسؤولين الأمريكيين لا يزالون متفائلين. فقد أشار باراك، بعد لقاء جمعه مع القائد العام لقسد مظلوم عبدي، إلى احتمال حدوث “اختراق سياسي خلال الأسابيع المقبلة”، مؤكداً أن التوترات في السويداء لن تُعرقل المفاوضات.
كما صرح مسؤول أميركي آخر – رفض الكشف عن اسمه – أن “المحادثات بين قسد والحكومة السورية لا تزال نشطة”، وأن بلاده “تدعم استمرارها كأفضل طريق لحل القضايا العالقة”.
خلاصة
تمثل المهلة الأميركية-التركية الأخيرة لقسد لحظة مفصلية في المشهد السوري، وقد تكون البداية لمرحلة جديدة من إعادة ترتيب الأوراق في شمال شرق سوريا. لكن السؤال الكبير يبقى: هل ستتنازل قسد عن طموحاتها بالحكم الذاتي مقابل اعتراف سياسي ضمن الدولة السورية؟ أم أن المهلة ستنتهي دون اختراق، لتبدأ جولة جديدة من التوتر وربما المواجهة؟
الأيام الثلاثون القادمة كفيلة بالإجابة.