آلية تنفيذ تفاهمات السويداء: خطوات ثلاث نحو التهدئة واستعادة الدولة
في تطور لافت على الساحة السورية، بدأت الحكومة السورية تطبيق تفاهمات وقف إطلاق النار في محافظة السويداء على ثلاث مراحل متتالية، تهدف إلى إنهاء الاشتباكات، واستعادة الأمن، وعودة مؤسسات الدولة تدريجياً، في ظل إعلان رئاسي بوقف شامل لإطلاق النار في جميع المناطق السورية.
المرحلة الأولى: فضّ الاشتباك واستعادة الهدوء
انطلقت المرحلة الأولى من آلية التنفيذ مع بدء انتشار قوات وزارة الداخلية والأمن العام في محافظة السويداء، وتهدف هذه المرحلة إلى فضّ الاشتباك القائم بين المجموعات المسلحة داخل المحافظة وبين قوات العشائر العربية. وتُعد هذه الخطوة الأولى نحو تهدئة ميدانية ضرورية لإعادة الحياة الطبيعية إلى مناطق شهدت توتراً شديداً، وتفتح الباب أمام الإفراج عن المعتقلين وإخلاء المحتجزين، بما يعيد الثقة تدريجياً بين الأطراف.
المرحلة الثانية: إدخال المساعدات وإعادة تأهيل الخدمات
بالتوازي مع التهدئة العسكرية، أعلنت الحكومة السورية عن تشكيل لجنة طوارئ تضم عدة وزارات وهيئات حكومية، تتولى تنسيق إدخال المساعدات الإنسانية والطبية إلى مناطق الاشتباك، وتوفير الخدمات الأساسية كالكهرباء والمياه والاتصالات. وتشمل هذه المرحلة أيضاً إصلاح البنى التحتية المتضررة، في خطوة تؤكد على توجه الدولة نحو تعزيز الاستقرار المجتمعي وليس فقط الأمني. ويتم تنفيذ هذه المرحلة بالتعاون مع وسطاء محليين، مما يعكس رغبة الحكومة في إضفاء طابع تشاركي على الحل.
المرحلة الثالثة: عودة مؤسسات الدولة وسيادة القانون
أما المرحلة الثالثة، فستبدأ بعد تثبيت التهدئة بشكل نهائي، وتشمل عودة مؤسسات الدولة الرسمية وانتشار عناصر الأمن الداخلي بشكل تدريجي ومنظّم في كافة مناطق محافظة السويداء. وستتم هذه الخطوة وفق التوافقات التي تم التوصل إليها مسبقاً مع وجهاء وممثلي المجموعات المحلية، وبما يضمن سيادة القانون تحت مظلة الدولة السورية. هذه المرحلة تعد الأهم من حيث التأثير بعيد المدى، إذ تمهد لاستعادة السيطرة الكاملة للدولة على المحافظة، وضمان استمرار تقديم الخدمات العامة تحت إشراف حكومي.
وقف شامل لإطلاق النار: مظلة سياسية للتهدئة
ولم يقتصر الأمر على تفاهمات السويداء فقط، إذ أعلنت الرئاسة السورية، في بيان رسمي، وقفاً شاملاً لإطلاق النار في كافة أرجاء البلاد، وذلك في استجابة للظروف الحساسة التي تمر بها البلاد، وفي مسعى لحماية وحدة الأراضي السورية وسلامة مواطنيها.
وجاء في البيان الرئاسي دعوة صريحة لجميع الأطراف دون استثناء للالتزام الفوري بوقف القتال، وفسح المجال أمام الدولة السورية لممارسة مهامها في تثبيت الاستقرار، وتأمين وصول المساعدات الإنسانية دون أي عوائق. وشددت الرئاسة على ضرورة وقف سفك الدماء، في موقف يعبّر عن إدراك رسمي لحجم المعاناة الإنسانية الناتجة عن استمرار الصراع.
خاتمة
إن آلية تنفيذ تفاهمات السويداء على ثلاث مراحل تمثل تحوّلاً في أسلوب التعاطي الحكومي مع الملفات الأمنية المعقدة، وتبعث برسالة مزدوجة مفادها أن الدولة السورية عازمة على استعادة هيبتها، ولكن عبر مسارات تفاوضية وتشاركية. أما وقف إطلاق النار الشامل، فهو مظلة سياسية قد تمهّد لمرحلة جديدة من الهدوء النسبي، لكنها تحتاج إلى مراقبة دقيقة وإرادة صلبة لضمان استدامتها وتحقيق الاستقرار الشامل.