في تحول لافت في الموقف الأميركي تجاه الملف السوري، أعلن السفير الأميركي لدى تركيا والمبعوث الخاص إلى سوريا، توم باراك، أن إدارة الرئيس دونالد ترامب تدعم بشكل صريح الحكومة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع، مؤكداً على أن الولايات المتحدة ترفض الفيدرالية وترفض أي نموذج لدولة داخل الدولة، مشدداً على وحدة سوريا وسيادتها.
في لقاء عقده بمركز الصحافة الأجنبية في نيويورك، قدّم باراك رؤية مفصّلة للسياسة الأميركية الجديدة في سوريا، موضحاً أن الإدارة الأميركية لم تكن وراء إسقاط نظام بشار الأسد، بل وجدت نفسها أمام واقع سياسي جديد نتج عن صعود حكومة الشرع إلى السلطة، وهو ما اعتبره فرصة تاريخية لإعادة صياغة الدولة السورية على أسس وطنية موحدة.
أوضح باراك أن الولايات المتحدة ترى في حكومة الشرع شريكاً جدياً، قائلاً: “في كل مرة تدخلنا لتغيير نظام فشلنا، لكننا هذه المرة لم نتدخل. الحكومة الجديدة صعدت بإرادة السوريين، ونحن نساندها ضمن رؤية تدعم استقرار المنطقة.”
كان الموقف الأميركي أكثر وضوحاً حين تطرّق باراك إلى قضية الفيدرالية ومطالب المكونات الكردية والعلوية والدرزية، مؤكدًا رفض بلاده القاطع لأي تقسيم طائفي أو قومي داخل سوريا. وقال: “لا يمكن أن تكون هناك قوة كردية بلباس كردي، أو درزية بلباس درزي، أو علوية بلباس علوي. سوريا يجب أن تكون جيشاً واحداً، دولة واحدة، وسيادة واحدة.”
هذا الموقف ينسجم مع توجهات الحكومة السورية الجديدة، بحسب باراك، حيث تسعى الإدارة في دمشق إلى تفكيك الميليشيات وتوحيد المؤسسات الأمنية والعسكرية.
وفي ما يتعلق بـقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، جدد المبعوث الأميركي موقف بلاده بأنها شريك فاعل في الحرب ضد “داعش”، لكنه شدد على أن هذا لا يبرر منحها حق إقامة كيان سياسي مستقل داخل سوريا. وأشار إلى فشل اتفاق الدمج الذي أُبرم في آذار الماضي، لكنه أكد أن العمل جارٍ على وضع صيغة جديدة تضمن دمجاً تدريجياً لقسد في الجيش السوري ضمن إطار الدولة.
من الخطوات المثيرة التي كشفت عنها واشنطن، إعلان رفع العقوبات بشكل كامل عن سوريا في 13 أيار الماضي. واعتبر باراك هذه الخطوة جزءاً من دعم الحكومة الجديدة ومنحها فرصة لإثبات قدرتها على إعادة الإعمار واستعادة ثقة الشعب السوري، مؤكداً أن العقوبات قد تعود إذا حصلت انتكاسات كبيرة.
وأضاف: “نحن لا نفرض نماذج جاهزة، بل ندعم السوريين في صنع مستقبلهم بأنفسهم.”
في تحول استراتيجي غير مسبوق، أكد توم باراك أن أحد الشروط الخمسة لدعم الحكومة السورية هو الانفتاح على اتفاقيات أبراهام، مشيراً إلى أن الحكومة برئاسة الشرع لا تعتبر إسرائيل عدواً، وأن الرئيس الجديد مستعد لحوار مباشر حول الملفات العالقة، ما اعتبره باراك تحولاً نوعياً في الخطاب السوري.
وشدد على أن التطبيع مع إسرائيل لا يمكن فصله عن المسار الإقليمي الذي يشمل لبنان والعراق وتركيا والأردن، معتبراً أن سوريا باتت المحور الأساسي في شبكة التطبيع الإقليمي.
تركيا.. شريك لا غنى عنه في إعادة صياغة مستقبل سوريا
أكد باراك أن الدور التركي سيكون أساسياً في مستقبل سوريا، خاصة في ظل وجود أكثر من 4.5 مليون سوري يعيشون في تركيا. وأضاف أن فتح الحدود سيكون له تأثير اقتصادي واجتماعي كبير، مشيراً إلى أن أنقرة ستكون شريكاً وضامناً لعدد من التفاهمات المستقبلية.
ملفات معقدة تنتظر الحسم: الدستور، الأقليات، والمخيمات
رغم التفاؤل، أشار باراك إلى أن ملفات شائكة لا تزال تحتاج إلى حلول، مثل صياغة دستور جديد، قضايا الأقليات، مصير المقاتلين الأجانب، ومخيمي الهول وروج. وأكد أن إدارة هذه الملفات تتطلب توازناً دقيقاً، و*”فهماً عاطفياً للواقع السوري، كما في العائلات التي خرج أبناؤها من حرب طويلة.”*
خاتمة: تحول في الرؤية الأميركية أم فرصة لإعادة بناء سوريا؟
تكشف تصريحات توم باراك عن تحول جذري في مقاربة واشنطن تجاه الملف السوري، تقوم على دعم حكومة محلية صاعدة، رفض الفيدرالية والانفصال، وتشجيع الحوار بين المكونات ضمن إطار الدولة. ومع فتح باب الحوار مع إسرائيل، وإزالة العقوبات، تبدو الإدارة الأميركية وكأنها تقول للسوريين: هذه فرصتكم، ونحن نساندكم من بعيد، لا نفرض ولا نملي.
لكن يبقى السؤال: هل تنجح هذه الرؤية في تجاوز تعقيدات الماضي؟ أم أن سوريا لا تزال بحاجة إلى معجزات سياسية لتخطي إرث سايكس بيكو؟