في مشهد مأساوي يتكرر كل صيف، تشهد محافظة اللاذقية السورية كارثة بيئية غير مسبوقة، حيث التهمت النيران آلاف الهكتارات من الغابات الطبيعية والأراضي الزراعية، مهددة التوازن البيئي ومستقبل الأجيال القادمة. وفي ظل هذا الوضع الخطير، أصدر “البرنامج السوري للتغير المناخي” (SPCC) بياناً عاجلاً يدعو فيه إلى إعلان حالة الطوارئ البيئية، محذّراً من تداعيات الكارثة على المدى القريب والبعيد.
أكثر من 3000 حريق و5700 هكتار محترقة: أرقام صادمة
بحسب البيان الصادر يوم السبت، فإن البيانات الميدانية والتقنية تشير إلى اندلاع أكثر من 3000 حريق خلال الأشهر الماضية فقط، التهمت أكثر من 5700 هكتار من المساحات الخضراء التي كانت تشكّل رئة تنفس طبيعية للمنطقة.
ولم تقتصر الأضرار على البيئة، بل طالت البنية التحتية، وهددت حياة المدنيين، وألحقت خسائر جسيمة بالمزارعين الذين فقدوا مصدر رزقهم الوحيد.
هذه الحرائق لا تأتي بمعزل عن الواقع المناخي القاسي الذي تمرّ به سوريا، بل تعكس هشاشة النظام البيئي الذي تفاقم خلال عقود من الإهمال وسوء الإدارة السابقة، وزادت حدّته بفعل التغير المناخي العالمي. إذ يعزو البرنامج هذه الكارثة إلى:
- ارتفاع غير مسبوق في درجات الحرارة.
- تزايد فترات الجفاف الموسمية.
- سرعة الرياح التي ساهمت في اتساع رقعة النيران.
كل هذه العوامل شكّلت بيئة خصبة لاشتعال النيران وانتشارها بسرعة مدمّرة، لتكشف عن ضعف الاستعدادات المحلية وجهوزية فرق الطوارئ لمواجهة كوارث من هذا الحجم.
إشادة بالجهود وتقدير للدعم الإقليمي
رغم صعوبة الظروف، أشار البيان إلى “الجهود البطولية” التي تبذلها فرق الدفاع المدني ووزارة الكوارث والطوارئ السورية، بالإضافة إلى متطوعين محليين عملوا بلا كلل لساعات طويلة، معرضين أنفسهم للخطر بهدف حماية أرواح المواطنين وممتلكاتهم.
كما وجّه البيان شكره إلى الدولة التركية على دعمها الميداني عبر إرسال طائرات إطفاء وآليات ثقيلة أسهمت في دعم خطوط المواجهة. وتحدث البيان أيضاً عن دعم أردني مرتقب وتشكيل غرف عمليات ميدانية لتنسيق الجهود.
توصيات البرنامج السوري للتغير المناخي
من أجل التصدي لهذه الكارثة المستمرة، قدّم البرنامج السوري للتغير المناخي حزمة من المقترحات العاجلة، أهمها:
- إعلان حالة الطوارئ البيئية في المناطق المتضررة، مع تخصيص موارد استثنائية لمواجهة الأزمة.
- تعزيز جاهزية منظومة إدارة الكوارث عبر تدريب الكوادر، وتحديث المعدات، ووضع خطة وطنية شاملة لمكافحة حرائق الغابات.
- تفعيل نظم الرصد والإنذار المبكر باستخدام تقنيات حديثة وإنشاء وحدات رصد بيئي محلية.
- إشراك المجتمع المحلي من خلال حملات توعية وتشكيل فرق متطوعين بيئيين في القرى المعرضة للخطر.
- معالجة آثار الكارثة ودعم المتضررين، لا سيما الأسر الفقيرة والمزارعين.
- سنّ قوانين بيئية صارمة تضمن حماية الغابات ومحاسبة من يثبت تورطه في الإشعال المتعمد أو الإهمال البيئي.
في ختام بيانه، وجّه البرنامج تحذيراً صريحاً بأن الكارثة الحالية ليست عرضية، بل تُعد “إنذاراً حقيقياً لما سيأتي” في ظل تغير مناخي عالمي لا يعرف الحدود. ودعا الجميع، أفراداً ومؤسسات، إلى تحمّل مسؤولياتهم البيئية والمجتمعية، مشدداً على أن هذا الخطر لا يفرّق بين منطقة وأخرى، بل يهدد النسيج البيئي والاقتصادي والسكاني لسوريا بأكملها.