بعد إغلاق دام أكثر من ستة أشهر، عادت بورصة دمشق لفتح أبوابها أمام المستثمرين وسط حضور رسمي ورسائل حكومية طموحة تعِدُ بتحويل السوق إلى منصة استثمارية واعدة. ورغم أن جلسة الافتتاح لم ترقَ إلى حجم التوقعات، فإن الرؤية الاقتصادية المعلنة تسعى لمحاكاة تجارب مالية رائدة في المنطقة، مثل دبي وأبو ظبي، في مسعى واضح لجذب رؤوس الأموال المحلية والأجنبية.
بلغت قيمة التداولات في اليوم الأول نحو 241 مليون ليرة سورية فقط، توزعت على 138 صفقة وشملت أكثر من 75 ألف سهم، بمعدل ارتفاع طفيف نسبته 2.19%. هذا الأداء المتواضع فسّره رئيس هيئة الأوراق والأسواق المالية، عبد الرزاق قاسم، بعدم اطلاع بعض المستثمرين على استئناف السوق، بالإضافة إلى غياب بعض الشركات غير الملتزمة بالإفصاح المالي، والأزمة الحادة في السيولة داخل القطاع المصرفي.
تصدرت قائمة التداولات شركات مصرفية، في مقدمتها البنك الوطني الإسلامي (NIB) بأكثر من 98 مليون ليرة، يليه بنك قطر الوطني (QNB)، ثم شركة إسمنت البادية التي حققت تداولات تجاوزت 28 مليون ليرة رغم عدد أسهمها المحدود، ما يشير إلى اهتمام مركز بالسهم وقيمته المرتفعة نسبياً.
خلال حفل الافتتاح، أعلن وزير المالية عن خطة شاملة لجذب الاستثمار، تقوم على توفير حوافز وضمانات، وتسهيل التشريعات الضريبية، وتحفيز الشركات العائلية على التحوّل إلى مساهمة عامة. وأوضح أن البيئة الاقتصادية تغيرت، ويجب أن تعكس السوق هذا التحول بمزيد من الشفافية والانفتاح.
كما أشار إلى نية الوزارة توسيع قاعدة الشركات المدرجة لتشمل حتى الأندية الرياضية، وتطوير أدوات مالية جديدة كصناديق الاستثمار، ضمن رؤية مستقبلية لتحويل دمشق إلى مركز مالي في المنطقة.
سجل مؤشر DWX للأسهم المثقلة بالقيمة السوقية ارتفاعاً بنسبة 2.19% ليصل إلى 101,878 نقطة، فيما صعد مؤشر DLX للأسهم القيادية بنسبة 1.02%. ورغم بساطة الأرقام، فإنها تشير إلى بداية مستقرة قد تتطور في حال تطبيق الرؤية الحكومية بفاعلية.

تحديات مستمرة: البيروقراطية والضرائب
رغم الطموح، لا تزال التحديات قائمة. فالمدير التنفيذي للبورصة، باسل أسعد، لفت إلى أن تأسيس الشركات المساهمة يواجه عقبات إدارية وضرائبية، أبرزها معدل الضرائب المرتفع، وتعقيد إجراءات الموافقة الرسمية، إضافة إلى عدم تناغم الجهات المعنية.
الخبير الاقتصادي عمار يوسف شدد على ضرورة كسر احتكار التداول من قبل الشركات المرتبطة بالنظام السابق، وإتاحة المجال أمام الجميع. ورأى أن الأداء الضعيف في اليوم الأول طبيعي بعد توقف طويل، لكنه حذّر من تكرار الأخطاء السابقة إذا لم تُفتح البورصة فعلياً أمام القطاع الخاص الحر.
من أبرز ما تم الإعلان عنه هو نية الحكومة إدراج الأندية الرياضية ضمن السوق المالي، في مسعى واضح لخصخصة تدريجية ومضاعفة الشركات المساهمة. ويأتي ذلك ضمن توجّه أوسع لتوسيع دور القطاع الخاص وتوفير مصادر تمويل مبتكرة.
خاتمة:
بين الطموح الحكومي والإرث البيروقراطي، تقف بورصة دمشق أمام اختبار حقيقي. فنجاحها لا يقاس بالأرقام الأولية، بل بقدرتها على بناء ثقة المستثمرين، وتحقيق الشفافية، وتوسيع قاعدة الشركات. وحده الزمن سيُظهر ما إذا كانت هذه السوق قادرة على أن تصبح قصة نجاح مالية في قلب الأزمة.