مقدمة
شهدت العلاقات الأمريكية السورية تحولًا جذرياً في عام 2025، حيث انتقلت من حالة القطيعة والتوتر إلى مرحلة جديدة من التعاون والانفتاح. جاء هذا التحول نتيجة لتغيرات سياسية داخلية في سوريا، وتبدل في أولويات السياسة الخارجية الأمريكية، مما أدى إلى إعادة تقييم الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط، وخاصة تجاه سوريا.
أولاً: التحول السياسي في سوريا
في ديسمبر 2024، شهدت سوريا تحولاً سياسياً كبيراً تمثل في الإطاحة بنظام الرئيس السابق بشار الأسد، بعد سنوات من الصراع الداخلي والانهيار الاقتصادي. أدى هذا التغيير إلى تشكيل حكومة انتقالية جديدة، أعلنت عن توجهاتها نحو الانفتاح على المجتمع الدولي، وإعادة بناء الدولة على أسس جديدة تشمل المصالحة الوطنية، والتنمية الاقتصادية، والتعاون الإقليمي.
ثانياَ: إعادة تشكيل العلاقات الأمريكية السورية
1. استئناف العلاقات الدبلوماسية
في مايو 2025، أعلنت الولايات المتحدة عن رفع شامل للعقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا، في خطوة غير مسبوقة منذ أكثر من عقد. وأشار الرئيس الأمريكي إلى أن “الشعب السوري عانى بما فيه الكفاية”، مؤكداً رغبة واشنطن في فتح صفحة جديدة من العلاقات.
كما تم إعادة فتح مقر إقامة السفير الأمريكي في دمشق، ورفرف العلم الأمريكي مجدداً فوقه، بعد زيارة قام بها توماس باراك، مبعوث البيت الأبيض الخاص إلى سوريا. هذا التطور أكد رسمياً استئناف العلاقات الدبلوماسية المباشرة.
2. إطلاق مشاريع إعادة الإعمار
وقعت الحكومة السورية اتفاقية كبرى بقيمة 7 مليارات دولار مع تحالف استثماري يضم شركات أمريكية وقطرية وتركية، بهدف إعادة تأهيل قطاع الطاقة المتدهور في سوريا. تشمل المشاريع:
بناء أربع محطات غازية جديدة.
إنشاء محطة طاقة شمسية حديثة.
تطوير شبكة الكهرباء المتقادمة.
من المتوقع أن تسهم هذه المشاريع في تغطية 50% من حاجة البلاد للكهرباء، وتوفر آلاف فرص العمل.
ثالثاً: ملامح الرؤية الأمريكية الجديدة تجاه سوريا
1. احترام السيادة الوطنية
تشدد الإدارة الأمريكية الحالية على عدم التدخل في الشؤون الداخلية السورية، مؤكدة دعمها لمسار سياسي تقوده الأطراف السورية ذاتها. وفي تصريحات للمبعوث الأمريكي، قال:
“لن نعيد إنتاج سايكس بيكو جديدة في سوريا، بل سندعم حلاً سورياً بإرادة سورية”.
2. دعم المصالحة الوطنية
أشارت تقارير أمريكية إلى أن واشنطن تُعيد النظر في دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، في ضوء تعقيدات المشهد الإقليمي واحتجاجات متزايدة من تركيا. لا يُفهم من ذلك تخليًا مباشرًا، بل محاولة لإعادة التموضع وفتح قنوات جديدة مع جميع الأطراف على الأرض.
رابعاً: التعاون الاقتصادي والاستثماري
1. إعادة تشغيل بورصة دمشق
في خطوة رمزية تعكس بدء التعافي الاقتصادي، أعيد افتتاح بورصة دمشق في يونيو 2025، بعد إغلاق دام ستة أشهر. تهدف الحكومة إلى تحديث البورصة وتحويلها إلى مؤسسة رقمية حديثة، لجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية.
2. دعم أوروبي ودولي
في مارس 2025، تعهد الاتحاد الأوروبي بتقديم 2.5 مليار يورو لدعم عملية الانتقال السياسي والاقتصادي في سوريا، بالإضافة إلى مساعدات إنسانية للاجئين والمجتمعات المضيفة في الدول المجاورة.
خاتمة
إن التحول في الموقف الأمريكي من سوريا يعكس واقعية سياسية جديدة، تسعى إلى تجاوز عقد من العداء وسوء الفهم. تقوم هذه الرؤية على دعم الاستقرار، وتحفيز التنمية، واحترام الإرادة الوطنية السورية. ومع بروز حكومة انتقالية أكثر انفتاحاً، بات من الممكن التأسيس لشراكة حقيقية تُعيد سوريا إلى محيطها الإقليمي والدولي، بعيداً عن العزلة والصراع.