في مشهد يعكس التعقيدات الأمنية والسياسية التي تواجه سوريا، شهدت منطقة أشرفية صحنايا تطورات متسارعة خلال الساعات الأخيرة، تخللتها مواجهات عنيفة بين مجموعات مسلحة وقوات الأمن السوري، تزامناً مع غارات إسرائيلية متكررة خلفت قتلى وجرحى من المدنيين والعسكريين على حد سواء.
أعلن مصدر عسكري أن قوات الجيش السوري، بالتعاون مع الأمن العام، فرضت سيطرتها الكاملة على أشرفية صحنايا في ريف دمشق الجنوبي. وبعد استتباب الأوضاع نسبياً، انسحبت قوات وزارة الدفاع من المنطقة، على أن يتولى الأمن المحلي مسؤولية ضبط الحالة الأمنية، بالتنسيق مع وجهاء المنطقة.
وأكدت مديرية أمن ريف دمشق أن التنسيق جارٍ مع الوجهاء لاعتقال المطلوبين والمتورطين في الفوضى الأخيرة، بينما تواصل القوى الأمنية حملة تمشيط تستهدف ما تبقى من “الخارجين عن القانون“.
لم تكن الحملة الأمنية بلا كلفة، فقد سقط عدد من الضحايا نتيجة الاشتباكات الدامية والقصف الإسرائيلي المتزامن. قُتل أربعة مدنيين برصاص قناصة، وأصيب عشرة آخرون بجراح متفاوتة. من جانبها، نعت وزارة الداخلية 16 عنصراً من الأمن العام قضوا خلال المواجهات مع المسلحين الذين استخدموا الأسلحة الرشاشة وقذائف الـ”RPG”.
أما القصف الإسرائيلي، فقد أودى بحياة عدد من المدنيين، بالإضافة إلى عناصر من قوات الأمن، بحسب ما أكدته مديرية الأمن في ريف دمشق.
إسرائيل تدخل على خط الأزمة: غارات وتصعيد سياسي
في خضم الأزمة الداخلية، شن الطيران الحربي الإسرائيلي ثلاث غارات جديدة على أطراف أشرفية صحنايا، مستهدفاً نقاطاً عسكرية عند المدخل الشرقي للمدينة، ما أسفر عن إصابات مباشرة بين المدنيين. وكانت إسرائيل قد أعلنت في وقت سابق أن غاراتها “تحذيرية”، في بيان مشترك لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يسرائيل كاتس، أكدا فيه أن تل أبيب “لن تسمح بالمساس بالدروز”.
وتزايدت التحذيرات الإسرائيلية بالتوازي مع عقد نتنياهو لاجتماع أمني رفيع المستوى، ضم كبار المسؤولين في الجيش ووزارة الخارجية لبحث التطورات الأخيرة في سوريا.
تحرك درزي-رسمي في داريا لاحتواء الأزمة
سعياً نحو تهدئة الوضع، عقد وفد من وجهاء وأعيان السويداء، بينهم الشيخ أبو حسن يحيى الحجار والشيخ ليث البلعوس، اجتماعاً موسعاً مع ممثلين عن الحكومة السورية في مدينة داريا القريبة، بحضور محافظي ريف دمشق والسويداء والقنيطرة. وتمحور اللقاء حول سبل نزع فتيل الأزمة في أشرفية صحنايا وضمان عدم تكرار مثل هذه الأحداث.
هذا الاجتماع جاء في وقت حساس، حيث يرى البعض أن مشاركة “رجال الكرامة” تمثل محاولة للتهدئة وتثبيت موقف الطائفة الدرزية الرافض لأي تدخل خارجي أو مشاريع انفصالية.
الخارجية السورية: نرفض الوصاية وملتزمون بحماية كل السوريين
في بيان رسمي، أكدت وزارة الخارجية السورية رفضها القاطع لأي شكل من أشكال التدخل الخارجي، مشددة على أن حماية أبناء الشعب السوري بمختلف طوائفه تقع ضمن مسؤوليات الدولة وحدها. وأشارت إلى أن محاولات فرض الحماية الدولية تحت أي ذريعة هي “دعوات غير شرعية ومرفوضة بالكامل”.
ردود إقليمية: تركيا تحذر من التصعيد
من جانبها، دعت وزارة الخارجية التركية إلى وقف الهجمات الإسرائيلية على الأراضي السورية، معتبرة أن هذه الغارات تقوّض وحدة سوريا وتغذي التوتر الإقليمي، في وقت تواصل فيه أنقرة دعم جهود المصالحة بين مكونات المجتمع السوري.
مخاوف من الفتنة وتصريحات مقلقة
في تطور لافت، حذر شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز في لبنان من أن ما يجري في سوريا هو “مشروع فتنة”، متهماً إسرائيل بالسعي لزرع النزاع الطائفي، مع تأكيده أن الدروز لطالما كانوا جزءاً من النسيج الوطني السوري.
ختاماً: مرحلة ما بعد المواجهة.. تحديات حقيقية
مع انسحاب الجيش وعودة وفد من منظمة الصحة العالمية إلى أشرفية صحنايا، يبدو أن الأوضاع تتجه نحو الاستقرار الحذر، غير أن آثار الأيام الماضية ستظل حاضرة، في ظل استمرار الغارات الإسرائيلية من جهة، وتنامي المخاوف من استغلال الأحداث لأجندات انفصالية أو طائفية من جهة أخرى.
أشرفية صحنايا اليوم ليست مجرد بلدة على خريطة ريف دمشق، بل باتت رمزاً لصراع النفوذ، وتحدياً لاختبار قدرة الدولة السورية على ضبط الأمن، وصون السيادة، وحماية التعددية في ظل عواصف الداخل والخارج.
تعليقات 1