أثارت زيارة وفد من رجال الدين الدروز السوريين إلى إسرائيل جدلاً واسعاً في الأوساط السورية، حيث جاءت هذه الخطوة في توقيت حساس يشهد تصعيداً سياسياً وعسكرياً في المنطقة، ما دفع العديد من السوريين إلى إدانتها بشدة واعتبارها محاولة إسرائيلية لاستغلال البعد الديني لتحقيق مكاسب سياسية. فالزيارة، التي قيل إنها ذات طابع ديني، تتزامن مع تصاعد الاعتداءات الإسرائيلية داخل الأراضي السورية، مما يثير تساؤلات حول أهدافها الحقيقية ودلالاتها في ظل التوترات الراهنة.
أعرب أهالي وعائلات بلدة حضر في جنوبي سوريا عن استنكارهم الشديد للزيارة التي قام بها بعض المشايخ إلى فلسطين المحتلة، تلبيةً لدعوة من جهات موالية للاحتلال الإسرائيلي في الداخل الفلسطيني. وأكد البيان الصادر عن أهالي البلدة أن إسرائيل، التي لم تكن يوماً حريصة على حقوق الأقليات، تستغل هذه الزيارة الدينية كأداة لزرع الانقسام في الصف الوطني، مشيرين إلى أن سلطات الاحتلال تحاول استخدام الطائفة الدرزية كخط دفاعي لتحقيق مصالحها التوسعية في الجنوب السوري.
وجاء في البيان: “إن إسرائيل التي لم تكن يوماً حريصة على حقوق الأقليات، تستغل هذه الزيارة الدينية كأداة لزرع الانقسام في الصف الوطني، وتسعى لاستخدام الطائفة الدرزية كخط دفاعي لتحقيق مصالحها التوسعية في الجنوب السوري”.
وأضاف الأهالي: “لم ولن ننسى الجرائم والانتهاكات التي ترتكبها دولة الاحتلال بحق أهلنا في الجولان والضفة الغربية وقطاع غزة. وعليه، نؤكد أن هؤلاء المشايخ لا يمثلون إلا أنفسهم، ونشدد على أن انتماءنا الوحيد لطائفة الشعب السوري الأبي. وطننا سوريا، وعزتنا سوريا، وكرامتنا سوريا منذ الأزل”.
ما طبيعة الزيارة؟
وصل وفد من رجال الدين السوريين من طائفة الموحدين الدروز إلى إسرائيل، صباح اليوم الجمعة، في زيارة قيل إنها تهدف إلى زيارة قبر النبي شعيب في الجليل الأسفل داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة. وتُعد هذه الزيارة الأولى من نوعها منذ خمسة عقود، وتأتي في ظل تصاعد الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا بعد انهيار نظام بشار الأسد.
وتداول ناشطون مقاطع فيديو توثق لحظة استقبال الوفد، حيث ظهر الحاضرون وهم ينشدون أنشودة “طلع البدر علينا”، التي استقبل بها الأنصار النبي محمد صلى الله عليه وسلم عند هجرته إلى المدينة المنورة.
من جهتها، ذكرت شبكة “السويداء 24” المحلية، أن “الوفد يضم حوالي 100 رجل دين من قرى إقليم البلان، ومن المرتقب أن يشاركوا في الزيارة السنوية لمقام النبي شعيب المقررة اليوم الجمعة”، بترتيب من الشيخ موفق طريف.
وأشارت إلى أن “باصات دخلت من معبر عين التينة في الجولان باتجاه قرية حضر لنقل الوفود المشاركة، وسط ترتيبات أمنية من الجيش الإسرائيلي، ومن المقرر أن يعود الوفد إلى سوريا بعد انتهاء مراسم الزيارة يوم السبت”.
بدوره، قال الشيخ موفق طريف، الرئيس الروحي للطائفة الدرزية في إسرائيل، إن “الوفد لا يضم رجال دين من محافظة السويداء، ويقتصر على قرى الإقليم، أي المناطق الواقعة في القنيطرة وريف دمشق من جهة جبل الشيخ”.
تباينت ردود فعل السوريين حول زيارة الوفد الديني إلى إسرائيل، إلا أن معظمهم دانوا هذه الخطوة واستنكروها بشدة، معتبرين أنها تأتي في توقيت حساس يتزامن مع تصاعد التوترات السياسية والعسكرية في المنطقة.
انعكاسات الزيارة على المشهد السوري
أثارت هذه الزيارة تساؤلات حول انعكاساتها المحتملة على المشهد السياسي والاجتماعي داخل سوريا، خاصة في ظل الأوضاع المضطربة التي تمر بها البلاد. ويرى البعض أن مثل هذه الخطوات قد تؤدي إلى زيادة الضغوطات على الطائفة الدرزية، التي تحاول الحفاظ على موقف محايد إلى حدٍّ ما في خضم الصراع السوري المستمر منذ أكثر من عقد من الزمن.
كما أن هذه الزيارة قد تمنح ذريعة إضافية للنظام السوري وحلفائه لاتهام الدروز في الجنوب بالخيانة والعمالة، وهو ما قد يؤدي إلى زيادة التوترات داخل السويداء والقنيطرة، وربما تصعيد عمليات الضغط الأمني والعسكري عليهم، خاصة في ظل ما يشهده الجنوب السوري من تحركات احتجاجية ضد النظام وسياساته القمعية.
من خلال هذه الزيارة، تسعى إسرائيل إلى تحقيق عدة أهداف سياسية وأمنية. فمن جهة، تهدف إلى تعميق انقسام المجتمع الدرزي السوري، عبر اللعب على الوتر الديني وإبراز نفسها كحامية للأقليات في المنطقة. ومن جهة أخرى، تستخدم هذه الخطوة لتعزيز علاقاتها مع جزء من الطائفة الدرزية في الجولان المحتل، ودفعها نحو قبول الواقع الإسرائيلي والتخلي عن ارتباطها التاريخي بالوطن الأم.
لكن في المقابل، قد تأتي هذه المحاولة بنتائج عكسية، إذ يرى مراقبون أن مثل هذه التحركات قد تؤدي إلى توحيد المواقف داخل الطائفة الدرزية في سوريا، وتزيد من رفضها لأي محاولات اختراق إسرائيلية.
مستقبل العلاقات بين دروز سوريا وإسرائيل
على الرغم من محاولات الاحتلال الإسرائيلي لاستمالة بعض الشخصيات الدينية الدرزية، فإن الواقع يشير إلى أن غالبية الطائفة الدرزية في سوريا تتمسك بهويتها الوطنية وترفض التطبيع مع الاحتلال. فمنذ احتلال الجولان السوري عام 1967، لم تنجح إسرائيل في جرّ دروز سوريا إلى صفها، رغم محاولاتها المستمرة.
كما أن المزاج العام داخل الطائفة الدرزية في سوريا، خصوصاً في محافظة السويداء، ما زال يحمل مواقف وطنية صلبة، تجلّت في المظاهرات الحاشدة التي شهدتها المنطقة ضد النظام السوري، والمطالبات المستمرة بإسقاط النظام وتحقيق الحرية والكرامة.
في النهاية، فإن زيارة بعض رجال الدين الدروز إلى إسرائيل، حتى وإن قُدمت كزيارة دينية، لا يمكن فصلها عن السياق السياسي والعسكري في سوريا. وبينما تحاول إسرائيل استغلالها لتحقيق أجنداتها، يظل موقف الطائفة الدرزية السورية مرهوناً بمتغيرات المشهد السياسي وموقف أبنائها الرافض بغالبيته لأي شكل من أشكال التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي.