قوات سوريا الديمقراطية (قسد) تُعد واحدة من أكثر الكيانات العسكرية إثارةً للجدل على الساحة السورية. منذ تأسيسها في عام 2015، روجت لنفسها كقوة أساسية في محاربة تنظيم “داعش“، لكنها في الواقع ليست سوى امتداد لتنظيم حزب العمال الكردستاني (PKK)، المصنف كمنظمة إرهابية في العديد من الدول. على الرغم من الدعم الدولي الذي تلقته، وخاصة من الولايات المتحدة، فإن قسد متهمة بارتكاب انتهاكات واسعة النطاق، تشمل تجريف قرى بالكامل، سرقة موارد الدولة، وتجنيد الأطفال. في هذه المقالة، نسلط الضوء على تطور قسد وأفعالها المثيرة للجدل.
أولاً: التأسيس والارتباط بحزب العمال الكردستاني
الخلفية التاريخية
تأسست قوات سوريا الديمقراطية في أكتوبر 2015 كتحالف عسكري بقيادة وحدات حماية الشعب (YPG)، الذراع العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، الذي يعتبر الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني. وُصفت وحدات حماية الشعب بأنها ميليشيا كردية مسلحة ظهرت عام 2014 تحت مسمى الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي اليساري. وسرعان ما توسعت قوتها العسكرية على حساب الجماعات المسلحة الكردية الأخرى.
الأيديولوجيا والتوجهات الفكرية والسياسية
تتبع قسد الفكر الأيديولوجي لحزب العمال الكردستاني، الذي يقوم على تحقيق أجندة انفصالية في شمال سوريا. وقد استخدمت قسد هذا الارتباط لتحقيق أهدافها العسكرية والسياسية، يتبنى الحزب التوجه الماركسي اللينيني، ومن أهدافه الجوهرية التي أعلن عنها مع نشأته إقامة دولة كردستان الكبرى المستقلة، إلا أنه تراجع عن مطلبه بالاستقلال لاحقاً، وصار يدعو إلى حصول الأكراد على الحكم الذاتي في تركيا. ورغم توجهه اليساري فإنه لم يحصل، بحسب مصادره الخاصة، على تمويل من المنظومة الاشتراكية، بل اعتمد في تمويل عملياته وإعداد مقاتليه على مصادره الخاصة، فيما تتهمه الأوساط التركية بأن تمويله مشبوه وغير شرعي.
الدعم الدولي
حصلت قسد على دعم كبير من الولايات المتحدة تحت ذريعة محاربة “داعش”، حيث تلقت دعماً عسكرياً وجوياً ساعدها في السيطرة على مناطق واسعة مثل مدينة عين العرب (كوباني). ومع ذلك، استغلت قسد هذا الدعم لتنفيذ أجندتها الخاصة بدلًا من التركيز على محاربة الإرهاب.
ثانياً: الأنشطة العسكرية والانتهاكات
محاربة تنظيم “داعش”
بينما تسوّق قسد لنفسها كقوة رئيسية في محاربة “داعش”، كانت عملياتها العسكرية مصحوبة بانتهاكات كبيرة، شملت تهجير السكان وتجريف القرى في مناطق مثل الحسكة ودير الزور. واستخدمت قسد معدات ثقيلة، مثل التركسات، لتدمير منازل المدنيين تحت ذرائع واهية.
تجريف القرى وتهجير السكان
وثّقت منظمات حقوقية قيام قسد بتجريف قرى عربية في الحسكة والرقة، ضمن سياسة ممنهجة تهدف إلى تغيير التركيبة السكانية للمنطقة. هذه الممارسات أدت إلى تهجير آلاف السكان الذين وجدوا أنفسهم بلا مأوى.
مجزرة عامودا
في يونيو 2013، ارتكب عناصر من وحدات حماية الشعب مجزرة مروعة في مدينة عامودا بريف الحسكة، حيث أطلقوا النار على متظاهرين مدنيين مطالبين بالإفراج عن ناشطين سياسيين. أسفر الهجوم عن مقتل ستة مدنيين، بينهم أطفال، وإصابة العشرات. أثبتت تقارير هيومن رايتس ووتش وقوع هذه الانتهاكات ووصفتها بأنها جرائم ضد المدنيين.
سرقة الموارد الطبيعية
تتحكم قسد بمناطق غنية بالنفط في شمال شرق سوريا، واستغلت هذا المورد لتمويل أنشطتها. تقوم قسد ببيع النفط بشكل غير قانوني لجهات داخل وخارج سوريا، بما في ذلك النظام السوري. وقد أدى هذا إلى استنزاف موارد الشعب السوري وحرمانه من عائدات ثرواته الطبيعية.
تجنيد الأطفال
اتهمت قسد بتجنيد الأطفال في صفوفها، في انتهاك صارخ للقوانين الدولية. تشير تقارير عديدة إلى أن قسد تقوم باختطاف الأطفال من عائلاتهم وتجنيدهم بالقوة، ما يعرضهم للخطر الجسدي والنفسي.
استخدام السجون كورقة ضغط
تدير قسد شبكة من السجون التي تضم الآلاف من عناصر تنظيم “داعش” وعائلاتهم. وعلى الرغم من الحاجة لمحاكمتهم، استخدمت قسد هذه السجون كورقة ضغط سياسية على المجتمع الدولي للحصول على المزيد من الدعم المالي والعسكري.
ثالثاً: التحديات الإقليمية والدولية
تعتبر تركيا قسد تهديداً وجودياً لأمنها القومي بسبب ارتباطها بحزب العمال الكردستاني. وقد شنت تركيا عمليات عسكرية ضد قسد، مثل “غصن الزيتون” و”نبع السلام”، بهدف القضاء على خطرها.
على الرغم من أن قسد تحظى بدعم من الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية، إلا أن هذا الدعم يثير تساؤلات حول التزام هذه الدول بمبادئ حقوق الإنسان. قسد متهمة باستخدام هذا الدعم لتنفيذ سياسات قمعية ضد السكان المحليين.
العلاقات مع نظام الأسد البائد
حافظت قسد على علاقة براغماتية مع النظام البائد، حيث تبيع النفط للنظام وتنسق معه أمنيًا في بعض الحالات. هذه العلاقة تظهر ازدواجية مواقف قسد، التي تدعي استقلالها بينما تعتمد على دعم أطراف متناقضة.
رابعاً: الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية
عملت قسد بشكل ممنهج على تغيير التركيبة السكانية في المناطق التي تسيطر عليها. شملت هذه السياسات تهجير السكان العرب واستبدالهم بمجموعات موالية لها.
أدت سياسات قسد إلى تدهور الوضع الإنساني في مناطق سيطرتها. يعيش السكان في ظروف صعبة نتيجة الفقر وانعدام الخدمات الأساسية، بينما تركز قسد مواردها على تعزيز قوتها العسكرية والسياسية.
خاتمة
قوات سوريا الديمقراطية (قسد) ليست سوى أداة لتنفيذ أجندة حزب العمال الكردستاني في سوريا. من خلال تجريف القرى، سرقة النفط، وتجنيد الأطفال، أظهرت قسد أنها تسعى لتحقيق أهدافها على حساب الشعب السوري. في ظل هذه الممارسات، يبقى مستقبل قسد محل شك كبير، حيث تواجه رفضاً واسعاً من السكان المحليين وضغوطًا متزايدة من القوى الإقليمية والدولية. هذه السياسات لن تؤدي إلا إلى مزيد من التوتر وعدم الاستقرار في سوريا والمنطقة.