تشهد الساحة السورية تحولات دراماتيكية مع تسارع الأحداث العسكرية والسياسية التي أعادت الملف السوري إلى واجهة النقاش الإقليمي والدولي. عمليات “ردع العدوان“ و”فجر الحرية” حققت تقدماً غير مسبوق بسيطرتها على مدينة حلب، كبرى المدن السورية من حيث الأهمية الاقتصادية والبشرية، وأجزاء واسعة من ريفها، إضافة إلى محافظة إدلب ومناطق في ريف حماة الشمالي. هذه التطورات شكّلت مفاجأة كبيرة وأحدثت انقلاباً في موازين القوى التي كانت تصبّ لصالح النظام السوري وحلفائه على مدى السنوات الماضية.
الأبعاد السياسية للمعركة
لقد فجّرت العمليات العسكرية الأخيرة قنبلة سياسية هزت أركان النظام السوري، الذي راهنت بعض الدول على إعادة تأهيله عبر بوابة التطبيع الإقليمي والعربي. فقد جاءت هذه الأحداث لتكسر الجمود السياسي الذي صاحب جهود تعويم النظام، ووضعت الدول الداعمة له، مثل روسيا وإيران، في موقف حرج أمام تراجع نفوذها.
الدول الإقليمية والدولية أظهرت مواقف متباينة حيال ما يجري. فعلى الرغم من صدمة التحولات الميدانية، جاءت ردود الفعل حذرة وتفاوتت بين الترقب والدعوات للحوار.
إسرائيل:
التطورات في سوريا لم تغب عن أعين إسرائيل، التي أكدت أنها تراقب المشهد عن كثب. تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سلطت الضوء على مخاوف إسرائيل من تداعيات انهيار النظام السوري، وهو الأمر الذي قد يخلق فراغاً أمنياً يهدد مصالحها.
التقارير الاستخباراتية الإسرائيلية تشير إلى أن البنية التحتية الإيرانية في سوريا تعرضت لضربات كبيرة نتيجة العمليات الأخيرة. ومع ذلك، تظل إسرائيل قلقة من تحول الفوضى إلى تهديد مباشر، خصوصاً بعد سنوات من تدخلها غير المباشر لدعم النظام السوري.
إيران:
الضربات الموجهة لقوات النظام السوري أثرت بشكل مباشر على النفوذ الإيراني في المنطقة. وصول وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى دمشق ولقائه مع رأس العصابة الحاكمة بشار الأسد جاء في محاولة لاحتواء الموقف وإظهار الدعم المستمر للنظام. ومع ذلك، فإن التصعيد الإسرائيلي واستهداف الشحنات الإيرانية الموجهة لسوريا وضع طهران في موقف دفاعي، حيث أظهرت الأحداث الأخيرة محدودية قدرتها على تقديم دعم عسكري مباشر للنظام.
تركيا: اللاعب الأكثر تأثيراً
على الجانب التركي، بدت أنقرة المستفيد الأكبر من هذه التطورات. فقد عبّر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ووزير الخارجية حقان فيدان عن دعمهم لعمليات “ردع العدوان” و”فجر الحرية”. تصريحات أنقرة ركزت على تعزيز أمن الحدود وتطهيرها من الجماعات الإرهابية، ما يعكس توافقاً مع الرؤية الأميركية لإنهاء الوجود الإيراني في المنطقة.
التنسيق التركي مع روسيا وأطراف دولية أخرى منح العمليات العسكرية غطاءً سياسياً مهماً، مع تأكيد على أهمية احترام حقوق المدنيين وتجنب الانتهاكات الإنسانية.
حزب الله ولبنان: محاولات لتحييد الصراع
في لبنان، تجري اتصالات دبلوماسية لتجنب تداعيات التطورات السورية على الداخل اللبناني. حزب الله، الحليف الأساسي للنظام السوري، يجد نفسه تحت ضغوط داخلية ودولية لمنع تصعيد الموقف، لا سيما بعد تحقيق الفصائل السورية تقدماً كبيراً في مناطق نفوذه التقليدي.
الاتصالات الدبلوماسية: محاولة لفهم الكواليس
في مواجهة انهيار قواته، أجرى بشار الأسد سلسلة من الاتصالات مع قادة دوليين وإقليميين، من بينهم رئيس الوزراء العراقي، والرئيس الإماراتي، والقائم بأعمال رئيس أبخازيا. هذه الاتصالات تكشف محاولاته اليائسة لاحتواء الموقف وتأمين الدعم، إلا أن نتائجها بدت محدودة في ظل التغيرات الميدانية السريعة.
الدور الدولي: مراقبة ودعم مشروط
الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، أبدت اهتماماً كبيراً بالتطورات في سوريا. بيانات البيت الأبيض ركزت على تحميل النظام السوري المسؤولية عن تعنته ورفضه الانخراط في العملية السياسية وفق قرار مجلس الأمن 2254. الدعم الدولي للعمليات العسكرية في الشمال السوري يبدو مشروطاً بتحقيق تقدم على صعيد التسوية السياسية.
خاتمة:
معركة سوريا الكبرى فتحت الباب أمام مرحلة جديدة من الثورة، حيث لم تعد حسابات القوى الإقليمية والدولية كما كانت. انهيار النظام السوري في الشمال يمثل لحظة حاسمة في تاريخ ثورتنا المباركة، وأعاد رسم خارطة السيطرة في سوريا.
ومع استمرار العمليات العسكرية، يبقى السؤال الأهم: هل ستتمكن هذه التحولات من فتح الطريق نحو حل سياسي شامل او سيبقى الصوت للمدفع فقط؟