مع اقتراب دخول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المنتخب حديثاً إلى البيت الأبيض في بداية كانون الثاني 2025، تتصاعد التساؤلات حول تأثير الفترة الرئاسية الثانية المحتملة على الأزمات العالمية، لا سيما على الملف السوري بعد ان تجاوز عامه الرابع عشر. فبينما يترقب العالم السياسة الخارجية المستجدة لترامب، يتفق المحللون على أن مقاربته للأزمة السورية قد تكون مختلفة، وربما قد تفاجئ الجميع، بناءً على تصريحاته المدوية خلال الحملة الانتخابية وما تبعها بعد ان تم اختياره رئيساً للمرة الثانية. منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، أصبح الملف السوري مرتبطاً بشدة بالسياسة الأمريكية وسياسة من يسكن البيت الأبيض. يعود ذلك إلى التأثير الكبير للولايات المتحدة على مجريات الأمور في سوريا، بدءاً من النفوذ الروسي والإيراني في المنطقة، وصولاً إلى مستقبل التعامل مع نظام بشار الأسد ومسارات المفاوضات.
ومع عودة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى السلطة، يُطرح تساؤل مهم: هل ستشهد المرحلة المقبلة استمراراً لسياسات ترامب السابقة أم تغييراً جذرياً قد يعيد تشكيل ملامح المشهد السوري؟
موقف ترامب من نظام الأسد
خلال ولايته الأولى، اتخذ ترامب مواقف حادة تجاه النظام السوري، بدءاً من العقوبات الاقتصادية مثل قانون قيصر الذي أضعف الاقتصاد السوري، وصولاً إلى توجيه ضربات عسكرية مباشرة كما حدث في هجوم قاعدة الشعيرات 2017، رداً على استخدام الأسد للأسلحة الكيميائية.
من المتوقع أن يستمر ترامب في سياساته المتشددة تجاه النظام السوري في حال عودته للرئاسة، بما في ذلك:
- تعزيز العقوبات الاقتصادية.
- منع التطبيع مع النظام.
- تقويض الدور الإيراني في سوريا.
ومع ذلك، برزت تسريبات تشير إلى احتمال التعاون مع بشار الأسد مقابل تقليص النفوذ الإيراني، خاصة إذا ما اعتبر الأسد أن تقليص هذا النفوذ قد يساهم في خروجه من العزلة الدولية.
يرتكز نهج ترامب على تقليل الانخراط الأمريكي في الصراعات الخارجية، وهو ما انعكس بوضوح خلال ولايته الأولى، عندما قرر سحب القوات الأمريكية من شمال شرق سوريا. هذا القرار ترك فراغاً استراتيجياً شغلته تركيا في عملية نبع السلام التي نفذتها تركيا في مناطق محدودة في ريف الرقة والحسكة بعد انسحاب الأخير منها، ما أدى إلى تغير موازين القوى في المنطقة وأثار انتقادات واسعة من الحلفاء الأوروبيين وحتى من داخل الولايات المتحدة.
جاءت تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأخيرة، التي أكد فيها استعداد بلاده لملء الفراغ الناجم عن الانسحاب الأمريكي لا سيم في ملف عوائل داعش حيث ابلغ الولايات المتحدة بشكل رسمي وينتظر الرد. فأنقرة ترى في الأحزاب الكردية المسلحة، وخاصة وحدات حماية الشعب (YPG)، تهديداً مباشراً لأمنها القومي. وفي حال انسحاب القوات الأمريكية من سوريا، قد تجد تركيا الفرصة للتوسع في شمال سوريا، معززةً عملياتها العسكرية لإنشاء منطقة آمنة خالية من الكيانات “الإرهابية”. هذا التقارب في المواقف قد يعزز التعاون بين واشنطن وأنقرة، حيث قد تعتمد إدارة ترامب على تركيا كحليف استراتيجي لإدارة الوضع في شمال سوريا، مع التركيز على تقليل التكاليف الأمريكية وترك المسؤوليات المباشرة في سوريا للدول الإقليمية وتركيا على رأسها.
رغم التوجهات السابقة لترامب، يبقى السؤال قائماً حول مدى استمراره على نفس النهج أو اتخاذ خطوات مختلفة. يعزز ذلك التصريحات التي تفيد بأن ترامب قد يعيد التفكير في استراتيجياته لتحقيق مكاسب سياسية داخلية ودولية.
ومع ذلك، فإن هذا السيناريو يفتح الباب أمام توترات إضافية بين تركيا وقوى دولية وإقليمية، مثل روسيا وإيران، الساعيتين أيضاً لتعزيز نفوذهما في سوريا.
روسيا وإيران: التوازن الصعب
التعامل مع روسيا:
تُعد روسيا حليفاً رئيسياً لنظام الأسد، وخلال ولايته الأولى، اتخذ ترامب موقفاً متسامحاً نسبياً تجاه موسكو، ما أعطى الأخيرة مساحة لتعزيز نفوذها في سوريا. عودة ترامب قد تعني استمرار هذا النهج، ما يتيح لروسيا مزيداً من السيطرة على الملف السوري دون تدخل أمريكي كبير.
تقليص النفوذ الإيراني:
على النقيض من موقفه من روسيا، كان ترامب شديد العداء لإيران، وفرض عقوبات صارمة عليها خلال ولايته الأولى. من المتوقع أن يعزز هذه السياسة في حال عودته الى البيت الأبيض، من خلال تصعيد الضغوط الاقتصادية والسياسية على طهران، وربما زيادة الدعم لإسرائيل لاستهداف ايران بشكل اكبر. هذه الخطوات قد تؤدي إلى كبح التوسع الإيراني، لكنها قد تشعل أيضاً مزيداً من التوترات والصراعات الإقليمية.
إسرائيل: دعم غير محدود
لا يخفي ترامب دعمه الكبير لإسرائيل، ومن المحتمل أن يستمر هذا الدعم خلال ولايته الثانية. وقد يشمل ذلك استمرار الدعم العسكري وتقديم تسهيلات إضافية لعمليات إسرائيل داخل الأراضي السورية، خصوصاً ضد أهداف مرتبطة بإيران واذرعها. هذا النهج، رغم أنه قد يصب في مصلحة بعض الأطراف العربية، قد يؤدي إلى زيادة التصعيد في المنطقة.
تصويب المسار مع تركيا
يُعرف ترامب بتصريحاته الحادة تجاه تركيا، لكنه في الوقت نفسه أظهر استعداداً للتعاون معها إذا كانت تخدم المصالح الأمريكية. عند عودته للبيت الأبيض، قد يعتمد ترامب سياسة مزدوجة تجاه أنقرة، تجمع بين فرض الضغوط الاقتصادية عند اللزوم ومنحها هامشاً أكبر للتحرك في شمال سوريا لتحقيق أهدافها الأمنية.
خاتمة:
من المؤكد أن عودة دونالد ترامب للرئاسة ستشكل مرحلة جديدة ومثيرة للجدل في السياسة الأمريكية تجاه سوريا. وبينما تثار التكهنات حول تداعيات هذه العودة، يبقى الملف السوري عالقاً في لعبة معقدة من التوازنات الإقليمية والدولية. ستظل سوريا ساحة لتصفية الحسابات بين القوى الكبرى، لكن الأكيد أن الشعب السوري سيبقى المتضرر الأكبر في غياب رؤية دولية عادلة ومستدامة لإنهاء أزمته مادامت جذوة الثورة السورية مستمرة.
يبقى السؤال ما هو موقف ترامب الجديد من نظام الأسد. وهل يناقض ما جاء في ولايته الأولى؟