مقدمة
منذ اندلاع الثورة السورية المباركة في عام 2011، أصبحت سوريا مسرحاً للتنافس بين قوى إقليمية ودولية عدة. فقد شكلة فرصة لا تضيع للعديد من الدول للتدخل لأسباب استراتيجية وعسكرية واقتصادية، سواء لتعزيز نفوذها في المنطقة أو لحماية مصالحها الوطنية. يتمركز هذا التدخل في خمسة أطراف رئيسية – روسيا، الولايات المتحدة، إيران، تركيا، وإسرائيل – التي تمثل قوى فاعلة على الأرض السورية، حيث يعمل كل طرف على تحقيق أهدافه بطرق سياسية وعسكرية مختلفة. ستتناول هذه الدراسة الوجود العسكري لكل طرف، أهدافه الاستراتيجية، الأثر السياسي، بالإضافة إلى التحديات التي تواجهها هذه القوى في سوريا.
أولاً: روسيا
1. الأهداف الاستراتيجية
منذ تدخلها العسكري المباشر في عام 2015، تسعى روسيا للحفاظ على نظام حليف لها منذ عقود، وذلك لأسباب عدة تشمل:
- تعزيز نفوذها الإقليمي ودورها كقوة دولية تقليدية في الشرق الأوسط.
- الحفاظ على وجودها العسكري في البحر المتوسط عبر القواعد البحرية في طرطوس وحميميم، لضمان نفوذها العسكري في منطقة استراتيجية.
- تأكيد سيطرتها السياسية من خلال مفاوضات جنيف وآستانا، كوسيط رئيسي في الشأن السوري.
2. الوجود العسكري والتكتيكات
يعتمد التواجد الروسي على مجموعة من الاستراتيجيات العسكرية:
- القواعد العسكرية: تعد قاعدة حميميم الجوية وطرطوس البحرية أكبر تواجد عسكري دائم لروسيا خارج حدودها، وتوفر غطاء جوياً ودعماً للنظام.
- أنظمة الدفاع الجوي: مثل إس-400 التي تعمل كشبكة دفاعية متقدمة لمواجهة أي هجوم محتمل على مواقع النظام، وتعمل كرادع أمام الولايات المتحدة وإسرائيل.
- التعاون مع قوات النظام والميليشيات: تعمل روسيا على تعزيز قوات النظام عبر تقديم الدعم العسكري والتدريب والمشاركة في العمليات الميدانية لضمان استعادة السيطرة على الأراضي.
3. التحديات
مع تعقيد الصراع، تواجه روسيا عدة تحديات:
- الضغط الاقتصادي الداخلي: فتكلفة تدخلها العسكري، في ظل العقوبات الغربية وتحديات الاقتصاد الروسي، تشكل عبئاً متزايداً.
- التباين مع إيران: التنافس الخفي مع إيران حول النفوذ على الأراضي السورية، حيث تتباين أهداف الطرفين رغم دعمهما للنظام.
- الرفض الدولي: تواجه روسيا انتقادات شديدة من الغرب لدورها في تعقيد الأزمة، ما يضعها في موقف سياسي معقد أمام المجتمع الدولي.
ثانياً: الولايات المتحدة
1. الأهداف الاستراتيجية
الولايات المتحدة، التي تدخلت في سوريا عام 2014 في إطار محاربة تنظيم داعش، تسعى إلى تحقيق عدة أهداف:
- منع عودة داعش وضمان الاستقرار في المناطق الشمالية والشرقية.
- دعم قوات سوريا الديمقراطية (قسد) لتحقيق توازن عسكري في المنطقة ضد النظام والقوات التركية.
- مواجهة النفوذ الإيراني في سوريا ومنع طهران من توسيع رقعة سيطرتها.
2. الوجود العسكري وآليات الدعم
الوجود الأمريكي في سوريا محدود نسبياً من حيث الأعداد ولكنه مؤثر استراتيجياً:
- القواعد العسكرية الصغيرة: تعتمد واشنطن على قواعد صغيرة في شمال شرق سوريا وغرب العراق لتقديم دعم لوجيستي.
- الدعم الاستخباراتي والتقني لقسد: تقدم الولايات المتحدة دعماً استخباراتياً وعسكرياً لقسد من خلال معدات متطورة وتدريبات.
- الضربات الجوية: تنفذ الولايات المتحدة ضربات محددة ضد قيادات داعش وتستهدف مقار وشبكات التنظيمات المتطرفة في المناطق الصحراوية.
3. التحديات
رغم نفوذها، تواجه الولايات المتحدة عدة عقبات:
- التوتر مع تركيا: دعم واشنطن لقسد يصطدم بمخاوف تركيا من امتداد الكيان الكردي.
- الضغوط الداخلية للانسحاب: تتعرض إدارة الولايات المتحدة لضغوط لإنهاء التدخل العسكري في سوريا.
- صعوبة التحكم بالوضع على الأرض: استمرار تواجد الجماعات المتطرفة يجعل تحقيق استقرار شامل أمراً معقداً.
ثالثاً: إيران
1. الأهداف الاستراتيجية
تهدف إيران إلى جعل سوريا مركزاً لتعزيز نفوذها الإقليمي، من خلال:
- بناء ممر بري يصل طهران بالبحر المتوسط، مما يعزز سيطرتها الإقليمية.
- حماية حزب الله: تأمين سلاسة وصول الأسلحة إلى لبنان، لتقوية حزب الله الذي يمثل ذراعها العسكرية في المنطقة.
- تعزيز مواقعها الدينية والسياسية: تعمل إيران على إنشاء نفوذ ديني عبر بناء مدارس ومؤسسات شيعية.
2. الوجود العسكري والشبكات
تتواجد إيران في سوريا عبر ميليشيات متعددة، أبرزها:
- الحرس الثوري: يمارس دوراً مباشراً عبر تشكيل شبكات عسكرية تضم جماعات لبنانية وعراقية وأفغانية.
- حزب الله: يلعب حزب الله دوراً رئيسياً في العمليات العسكرية، خاصةً في المناطق الحدودية.
- النفوذ المدني: تتغلغل إيران عبر إنشاء مؤسسات خدماتية لتعزيز الولاء المحلي.
3. التحديات
على الرغم من توسعها، تواجه إيران تحديات كبرى:
- التصعيد مع إسرائيل: حيث تستهدف إسرائيل قواعد إيران وحزب الله بانتظام.
- الضغط الأمريكي والعقوبات: تقيد العقوبات القدرة الإيرانية على تمويل عملياتها بسوريا.
- الصراع مع روسيا: إذ تتنافس إيران وروسيا في بعض المناطق على النفوذ والسيطرة على الموارد.
رابعاً: تركيا
1. الأهداف الاستراتيجية
تتدخل تركيا في سوريا لأسباب عدة منها:
- مواجهة الكيان الإرهابي الانفصالي: ومنع انشاء هذا الكيان الإرهابي الانفصالي على الحدود الجنوبية لتركيا والحفاظ على وحدة الأراضي السورية..
- توسيع النفوذ التركي: تأمل تركيا في تعزيز وجودها في شمال سوريا بهدف خلق مناطق آمنة للاجئين.
- التنافس على النفوذ الإقليمي: ترى تركيا في سوريا ساحة لتعزيز نفوذها الإقليمي. ومواجهة المخططات الغريبة عن المنطقة التي تهدف الى تفتيت سوريا والنيل من الامن القومي التركي وتهديد استقرارها وسلامة أراضيها
2. الوجود العسكري والمناطق المؤثرة
تركز تركيا وجودها في الشمال:
- المناطق الآمنة: تشمل مناطق درع الفرات، غصن الزيتون، ونبع السلام، حيث تنتشر القوات التركية والفصائل المدعومة منها.
- التنسيق مع المعارضة: تدعم تركيا فصائل المعارضة لتحقيق أهدافها.
3. التحديات
رغم سيطرتها على مساحات واسعة، تواجه تركيا عدة صعوبات:
- التوتر مع واشنطن بشأن الأكراد.
- التحديات الأمنية: خاصة مع نشاط خلايا داعش في مناطق نفوذها.
- العلاقات مع النظام: إذ يشكل النظام السوري تهديداً لاستقرار المناطق الخاضعة للنفوذ التركي.
خامساً: إسرائيل
1. الأهداف الاستراتيجية
تسعى إسرائيل لتحقيق عدة أهداف:
- منع تعاظم القدرات الإيرانية: تركز على إضعاف الميليشيات المدعومة من إيران.
- حماية حدودها: ضمان الأمن على الحدود الشمالية مع سوريا.
2. الأنشطة العسكرية والتكتيكات
تتجنب إسرائيل التدخل البري، وتعتمد على:
- الضربات الجوية المنتظمة: تستهدف من خلالها القواعد الإيرانية.
- الرصد الاستخباراتي المكثف: لمراقبة تحركات إيران وميليشياتها.
3. التحديات
رغم فعالية الضربات، تواجه إسرائيل:
- تزايد العداء الإقليمي: تعزز ضرباتها المقاومة الشعبية ضدها.
- ردود الفعل الدولية: حيث تلقى انتقادات بسبب خرقها للسيادة السورية.
الخاتمة
يظل التواجد الأجنبي في سوريا قضية معقدة تعكس صراعاً متعدد الأبعاد، حيث تتداخل المصالح العسكرية والسياسية وتتعقد حلول الأزمة. بينما تسعى كل قوة لتعزيز نفوذها، يصبح الحل السياسي للأزمة السورية أمراً بعيد المنال في ظل هذه التداخلات.