أصدرت وكالة الاتحاد الأوروبي للجوء (EUAA) تقريراً حديثاً يُبيّن فيه تصاعداً غير مسبوق في وتيرة العنف داخل سوريا منذ أكتوبر 2023 حتى أواخر 2024، حيث وصف التقرير الوضع الحالي بأنه الأعنف منذ توقيع تركيا وروسيا اتفاق وقف إطلاق النار في إدلب في مارس 2020. يعتمد التقرير في مجمله على بيانات صادرة عن الشبكة السورية لحقوق الإنسان، التي استُشهد بها حوالي 475 مرة، بهدف تقديم صورة دقيقة عن الوضع الأمني الراهن وتقديمها لصناع القرار في قضايا طلبات اللجوء والحماية الدولية.
وقد سلط التقرير الضوء على الأوضاع الأمنية في سوريا مع تقسيم البلاد بحسب مناطق السيطرة إلى أربعة أقسام رئيسية:
- مناطق تحت سيطرة قوات النظام.
- مناطق تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد).
- مناطق تحت سيطرة الجيش الوطني (المعارضة المعتدلة).
- مناطق هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة).
ويشير إلى أن منطقة شمال غرب سوريا شهدت خلال العام الممتد بين سبتمبر 2023 وأغسطس 2024 استمراراً ملحوظاً في العنف، وصل ذروته في أكتوبر 2023، مما يجعل هذه الفترة من الأكثر دموية في السنوات الأخيرة.
وقد وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان مقتل 539 مدنياً خلال الأشهر الأولى من عام 2024 وحتى أغسطس، بينهم 68 ضحية قُتلوا في النصف الأول من العام بسبب الألغام، مع توثيق مقتل 10 أطفال و14 سيدة من بينهم. وأوضح التقرير أن قوات النظام استهدفت 13 مدرسة شمال غربي البلاد، مما يعكس تأثير الصراع المستمر على البنية التحتية المدنية ويزيد من معاناة المدنيين.
وبالنسبة للنزوح، ذكر التقرير أن عدد النازحين داخل سوريا بلغ 7.2 مليون شخص بنهاية عام 2023. وأدى التصعيد العسكري في أكتوبر 2023 إلى نزوح نحو 120 ألف شخص، منهم عاد نحو نصفهم لاحقًا إلى منازلهم، بينما بقي الآخرون في أوضاع إنسانية صعبة.
من ناحية أخرى، تناول التقرير وجود الميليشيات الأجنبية، موضحًا أن الميليشيات الإيرانية ما زالت نشطة في سوريا وتسعى لإحداث تغيير ديمغرافي واضح في بعض المناطق، حيث يتركز تأثيرها في محافظة دير الزور شرق البلاد. كما زادت القوات الروسية من نقاطها العسكرية في القنيطرة، في حين واصل الجيش الإسرائيلي غاراته على مواقع تابعة للميليشيات الإيرانية و”حزب الله”، في إطار سياسة الحد من النفوذ الإيراني في سوريا.
كما أشار التقرير إلى استمرار تمركز قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في شمال شرقي سوريا وفي قاعدة التنف، حيث تتولى هذه القوات مهام منع عودة تنظيم داعش، بالإضافة إلى قطع الطريق أمام قوات النظام وحلفائها الإيرانيين من السيطرة على حقول النفط والغاز في تلك المنطقة الاستراتيجية.
فيما يتعلق بالوجود التركي، فقد عززت أنقرة مواقعها في شمال غرب سوريا بهدف معلن يكمن في محاربة حزب العمال الكردستاني، بحسب التصريحات التركية الرسمية، مشيرةً إلى أن التواجد التركي يرتبط أيضاً بمساعيها لدعم الحل السياسي في سوريا وتهيئة البيئة الملائمة لعودة اللاجئين.
في الختام، يكشف تقرير وكالة الاتحاد الأوروبي للجوء عن واقع شديد التعقيد والتوتر داخل سوريا، حيث تتشابك المصالح الإقليمية والدولية مع التحديات الإنسانية اليومية التي يواجهها المدنيون. من الواضح أن استمرار العنف والتصعيد العسكري يعمقان من مأساة الشعب السوري، خاصةً في ظل استمرار النزوح وتدهور البنية التحتية والتعليمية، إلى جانب التدخلات العسكرية الأجنبية التي تضيف مزيداً من التعقيد للوضع الميداني. تبقى الحاجة ملحّة إلى جهود دولية حقيقية تعمل على تحقيق استقرار شامل وحل سياسي يُنهي الصراع ويخفف معاناة ملايين السوريين، ويضع حداً لتغيير ديمغرافي يُهدد التركيبة السكانية للبلاد.